عبدالعليم خطاب.. الطيب الشرير الذي مات نائما على مصحفه
محمد شوقيتعلم في روسيا.. تتلمذ على يد يوسف وهبي.. خافت منه فاتن حمامة.. تحدى زكي رستم.. أهان يوسف شاهين.. «وين هنادي يا خال» أحد أهم الجمل السينمائية التي قالها في أهم أفلامه بل أعماله على الإطلاق فيلم «دعاء الكروان»، عام 1959.. نجم الأدوار الثانية والثالثة وصف بأنه واحد من آباء السينما المصرية.. فنان متميز لا تملك إلا أن تقول له «أيها الفنان لن تتكرر» هو علامة من علامات السينما المصرية.
ظهر في أدوار سينمائية كثيرة منها دور الرجل المتعجرف الجامد غليظ القلب لكن قسمات وجهه الحادة، وصوته الجهوري جعل المخرجين يحصرونه في أدوار الشر، رغم أن هذا الشر لا ينطبق عما اتسم به من الطيبة خارج بلاتوهات التصوير، رغم أنه امتلك في ذاكرة السينما أقسى المشاهد التي عرضت على الشاشة الفضية على الإطلاق، ذلك الخال الذي يبادر ابنة أخته بطعنة كي تداري الدماء فضيحة «هنادي» في «دعاء الكروان».
هو الفنان عبد العليم خطاب، المولود عام 1913، تلقى تعليمه الأولي، ثم حاز على شهادة الكفاءة، وسافر إلى روسيا لاستكمال دراسته، وهناك درس فنون المونتاج والإخراج ليكون ضمن طليعة المخرجين المصريين الأوائل.. آمن بأهمية التعليم الأكاديمي السينمائي في صناعة الفنان المحترف، فما إن عاد من روسيا حتى التحق بمعهد التمثيل، ونظرا لتفوقه، أرسلته الحكومة المصرية في بعثة دراسية لدراسة الإخراج في لندن عام 1937.
موضوعات ذات صلة
- صباح .. ”الشحرورة” التي أشعلت غيرة الفنانات بسبب أناقتها
- نيللي .. فراشة السينما المصرية وأيقونة فوازير رمضان
- نادية لطفي.. عضو جمعية حماية الحمير التي غنى لها العندليب
- الواحد بيقابل نفسه.. ”الاختيار” الذي حير ”العلايلي” و”شاهين” وهاجم ناصر
- رحلة من الشك لليقين.. هل كان طه حسين ملحدا وغيرته زيارة الكعبة
- ”بهية الفن”.. محسنة توفيق التي تألقت مع يوسف شاهين
- منها ”قراءة القرآن” .. طقوس فؤاد المهندس قبل صعوده على المسرح
- ”وغفرتلك قسوتك”.. حكاية أغنية أنهت قصة حب بليغ حمدي ووردة
- ”حميدو” .. فتوة الإسكندرية الذي أغضب الخديوي عباس وهابته الشرطة
- ”خالتي بمبة”.. ملك الجمل أول مثلية جنسية في السينما
- محمود المليجي .. ”شرير الشاشة” الذي غير جلده مع يوسف شاهين
- هل كانت غيرة ”العندليب” من وردة بسبب الفن أم الحب ؟
هناك قبل أن تنشب الحرب العالمية الثانية، تنقل خطاب بين استديوهات الفن في كبرى البلدان الأوروبية، وهذا ساعده لأن يتقن العديد من اللغات كالإنجليزية، والفرنسية، والروسية، وسيكون لهذا الأمر أثره على التكوين الثقافي للفنان القدير، لا سيما على «خشبة المسرح»، التي أخلص لها «خطاب» أو السينما.
وبهذه الميزات، قدم عبد العليم خطاب، أوراق اعتماده لفرقة رمسيس المسرحية التي أسسها عميد المسرح العربي يوسف وهبي، وأصبح واحدا من أبرز وجوهها أمثال الفنانة القديرة أمينة رزق، وعلوية جميل، والفنانين حسين رياض، وعزيز عيد وفاخر فاخر، عمل «خطاب»، ممثلا ومساعد مخرج للفنان يوسف وهبي، في العديد من الأفلام التي أداها على شاشة السينما، لا سيما أفلامه الاجتماعية خلال فترتي الأربعينيات مثل «ابن الحداد، الطريق المستقيم، رجل لا ينام، ضربة القدر»، وأدت الثقافة التي تمتع بها «خطاب»، لأن يكون واجهة لمسرح رمسيس، وأحد الأبطال الأساسيين للمسرحيات التي كانت تؤديها الفرقة، والتي كانت أغلب رواياتها من روائع الأدب العالمي.
معظم هذه الأعمال لم يتم تصويرها على خشبة المسرح، لكن فيلم مثل «كرسي الاعتراف»، الذي تم إنتاجه عام 1949 من بطولة يوسف وهبي، وأمينة رزق، وفاتن حمامة، وعبد العليم خطاب، وفاخر فاخر، وسراج منير، وحسن الباروني، يعطينا صورة لبعض هذه المسرحيات الرائعة التي أدتها الفرقة، والفيلم يدور حول الصراع بين الواجب والعاطفة.
شارك «خطاب»، في باكورة أعمال ستوديو مصر بعد افتتاحه عام 1935 على يد الفنان أحمد سالم، فشارك في بطولة فيلم «لاشين»، المثير للجدل آنذاك، حيث تحفظت الرقابة على نهاية الفيلم الذي يحكي عن ثورة قامت ضد ملك مستبد، ما أعطى إسقاطا سياسيا على النظام الملكي في مصر.
ومن الأداء الاجتماعي التراجيدي في أفلام يوسف وهبي، اتنقل «خطاب» إلى مدرسة أخرى، لكنها كوميدية هذه المرة، هي مدرسة «على الكسار»، بربري مصر الوحيد، حيث شاركه في فيلم «على بابا، والأربعين حرامي»، عام 1942، والمفارقة أن هذا الفيلم شهد ميلاد وجوه فنية جديدة في الكوميديا والغناء، لعل أشهرها إسماعيل ياسين، ومحمد عبد المطلب.
ومن هذا البعد حيث القصص الشعبي في «على بابا والأربعين حرامي»، واصل خطاب الظهور في ملحمة «حسن الهلالي» في نسختيها الأصلية التي قدمها أنور وجدي في «أمير الانتقام» عام 1950، أو النسخة الثانية التي قدمها فريد شوقي «أمير الدهاء» عام 1964، كما ظهر أيضا في فيلم «ريا وسكينة» عام 1952.
كان عبد العليم خطاب، يؤمن بفكرة «البطولة الجماعية»، لذا فلا عجب أن أدواره في الخمسينات انحصرت عن البطولة، إلا أنها لا تسقط من ذاكرة المشاهد.. من منا لا ينسى دوره فى فيلم «لقمة العيش»، شارك بطولته مع صلاح ذو الفقار، وعادل خيري، ويقوم فيه بدور ناظر العزبة البلطجي الذي يخاف منه صاحب العزبة ولا يقوى على طرده خوفا من بطشه وجبروته، ويقوم بدور صاحب العزبة حسن فايق، ودوره فى فيلم الفتوة مع فريد شوقي، والعملاق زكي رستم، وكان من ضمن التجار الذين اتحدو للخلاص من غول السوق زكي رستم، وكذلك دور «عبد الباسط»، في فيلم «حسن ونعيمة» مع سعاد حسني، ومحرم فؤاد، عام 1959.
وفي عام ١٩٥٩، قدم عبد العليم خطاب، أشهر أدواره على الإطلاق، وألصقها في مخيلة المشاهدين، حيث أدى دور الخال قاسي القلب في رائعة «دعاء الكروان»، لعميد الأدب العربي طه حسين، ومن بطولة سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة، وأحمد مظهر، وأمينة رزق، وزهرة العلا.
وواصل «خطاب»، حصاد نجاحه في «دعاء الكروان»، ليظهر في دور «شداد» بفيلم «عنتر بن شداد» عام 1961، ودوره في فى فيلم «الحرام»، رائعة الكاتب يوسف إدريس، عام 1965 مع سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة، والعملاق زكي رستم، الذي تحداه في هذا الفيلم في الأداء العبقري له حتى أن فاتن حمامة، كانت تخشى الوقوف أمامه من شدة اندماجه المقارب لزكي رستم، وقدم مع شادية، فيلمين مهمين «الهاربة، وأغلى من حياتي»، وفي الفيلمين هربت من شادية وطردها فيهما.
اتجه عبد العليم خطاب، بعد ذلك للإخراج بنفسه، وقدمت له السينما 3 أفلام من إخراجه هي «سلوى، وجزيرة الأحلام، والعلمين»، ولكن لم يكتب لها النجاح، من أهم أعمال الفنان عبد العليم خطاب «الشيماء، امرأة بلا قيد، الشباك، العقل والمال، والعلمين، والحرام، وكنوز، والمخربون، وعدوية، وحكاية من بلدنا، وطريق الانتقام، والنداهة، ولقيطة، وقاهر الظلام، والشباك، وامرأة الظلام، زالبنت اللي قالت لا، وطريق السعادة، وأنا وحبيبي، وفي سبيل الحب، وانتصار الحب، وقتلت زوجتي، والمجد، ودعاء الكروان، والمتهم، والهاربة»، وكان آخر أفلامه فيلم «أريد حلا»، مع فاتن حمامة، ورشدي باظة.
وفي 28 مايو 1978، توفى الفنان القدير عبد العليم خطاب، بعد أن صلى الفجر وأمسك مصحفه يقرأ القرآن الكريم كعادته ثم مات نائما على مصحفه.