فصل مسؤول أساء لرئيس الجمهورية بألفاظ مشينة
كتب محمد محمودقضت المحكمة الإدارية العليا في مجلس الدولة، اليوم الأحد، بمعاقبة «مدير التسجيلات الخارجية» في قناة «النيل للدراما» بدرجة مدير عام، بعقوبة «الفصل من الخدمة» لأنه كتب عبارات شديدة الإهانة والسب لشخص رئيس الجمهورية عبر حسابه على «فيسبوك»، تتعفف المحكمة عن ذكر تلك الألفاظ المشينة أو ترديدها في صفحات حكمها.
صدر الحكم برئاسة المستشار عادل بريك نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية المستشارين سيد سلطان والدكتور محمد عبدالوهاب خفاجي ونبيل عطا الله وأحمد ماهر نواب رئيس مجلس الدولة.
وبهذا الحكم القضائي وضعت المحكمة الإدارية العليا حدًا لظاهرة الإهانة لرمز الدولة المصرية على وسائل التواصل الاجتماعي خصوصًا من الإعلاميين أنفسهم ووضعت العديد من المبادئ لمواجهة ظاهرة الإهانة لرمز الدولة المصرية أكدت فيها أن الدساتير المصرية في عهديها الملكي والجمهوري أعلت رمز رئيس الدولة وضربت حوله سياجًا من الحصانات تحول دون المساس به إلا بحبل من الدستور أو القانون.
وأنه من حق المواطن مخاطبة رئيس الجمهورية بشرط ألا يتضمن تشهيرًا أو تعنيفًا أو سبًا أو قذفًا أو وقائع غير صحيحة، وأن جريمة إهانة رئيس الدولة من الجرائم المضرة بالمصلحة العامة لأنها تتضمن مساسًا باحترام وهيبة الدولة بسبب المركز الذي يتولاه في البلاد، وأن التشريعات حرصت على توفير الحماية لرئيس الدولة حتى يتمكن من أداء مهامه ومسؤولياته الجسيمة في إدارة شؤون الحكم والبلاد في هدوء وسكينة.
كما أكدت أن الإعلامي في موقع حساس كان يجب عليه الالتزام بالتخاطب مع رؤسائه فما باله بمخاطبة رئيس الجمهورية رمز الدولة، وأن الدستور انحاز إلى الحرية الشخصية في التعبير في كل أمر يتصل بالشؤون العامة لكن ممارستها يجب أن تتم في إطارها المشروع دون إهانة أو إساءة أو تطاول وأن حرية التعبير عن الرأي لا يقتصر أثرها على صاحب الرأي وحده.
بل يتعداه إلى غيره من أفراد المجتمع ويجب ألا تتجاوز إلى الإضرار بالغير أو بالمجتمع. وإن الأحقاد والضغائن الشخصية، والفُحش والتعريض بالسمعة ليست حرية تعبير، وأن الخطاب لرئيس الجمهورية يجب أن يتجرد من غرض الإهانة أو التجريح أو التهوين من قامة ومقام رئيس الجمهورية.
تفاصيل الحكم
قالت المحكمة إنه باستعراض الدساتير المصرية في عهديها الملكي والجمهوري يبين منها أنها بوأت رئيس الدولة مكانًا عاليًا وأفردت له أحكامًا مخصوصة لحفظ هذه المكانة وصونها بحسبان أن رئيس الدولة هو رمزها وعلَم سيادتها، فأعلت الرمز وصانت العلَم، وضربت حوله سياجًا من الحصانات تحول دون المساس به إلا بحبل من الدستور أو القانون. ولذلك قرر المشرع في قانون العقوبات لمن تعدى على رمز الدولة بالقول أو الفعل عقوبات ترد هذا المعتدى عن اعتدائه وتحفظ لرمز الدولة وقاره واعتباره.
أبرز حيثيات الحكم
أضافت المحكمة أن حق كل فرد في مخاطبة السلطات العامة كتابة وبتوقيعه بات من الحقوق الدستورية للمواطنين، وبهذا الوصف لا تثريب على الموظف العام إذا خاطب رئيس الجمهورية باعتباره يستوى على القمة من السلطات العامة، فيما يتعلق بالشأن العام وتقديم مقترحاته وتظلماته، وبحسبان أن حق مخاطبة السلطات العامة يمنح المواطن دورًا إيجابيًا ومهمًا في الحياة العامة لأنه يتيح له الاتصال بالسلطات بشكل مباشر وضمانًا حقيقيًا للحقوق والحريات العامة وحمايتها من الانتهاك من قبل أي طرف بما يحقق المزيد من الاستقرار في المجتمع ويعزز روح المواطنة والانتماء بين أفراده، وهو ما جعل العديد من دساتير دول العالم تنص على هذا الحق في صلب الوثيقة الدستورية، لذلك حفظت هذه الدساتير للمواطن حقوقه وكرامته ولم تسوغ المساس بها أو الانتقاص منها إلا إذا تعدى المواطن حقوقه وخرج بها من نطاق المشروعية إلى نطاق عدم المشروعية مخالفا بذلك ما قرره له الدستور ورسمه له القانون، فوجب حينئذ عقابه أو مجازاته ليس لأنه مهين الكرامة مهدر الحق وإنما لأنه متجاوز له متعدى به للمساس بكرامة وحق الآخرين.
وأشارت المحكمة إلى أنه إذا ما قرر الدستور للمواطن حق مخاطبة سلطات الدولة باعتباره صورة من صور الحق في التعبير تعين أن يكون هذا الخطاب أو هذه الشكوى في إطار ما قرره الدستور ونطاق الضوابط التي أرستها هذه المحكمة بألا يتضمن هذا الخطاب أو هذه الشكوى تشهيرًا أو تعنيفًا أو سبًا أو قذفًا أو وقائع غير صحيحة لا دليل عليها من قول أو عمل أو سند، فإذا خرج هذا الخطاب أو هذه الشكوى عن هذه الضوابط، يكون قد خرجا من نطاق إلى نطاق، من نطاق المباح إلى نطاق المحظور، ومن نطاق الشرعية إلى نطاق المخالفة وحينئذ يقع المواطن أو الموظف تحت طائلة القانون وطائلته ويحق عقابه ومجازاته جزاءً وفاقًا لما اقترفته يداه وجنته نفسه.
وقالت المحكمة إنها أفسحت صدرها وأفرغت صبرها لهيئة النيابة الإدارية وكلفتها على مدار عام قضائي كامل خلال 7 جلسات بأن تقدم التحقيقات التي أجريت مع الطاعن.
وذكرت المحكمة أن الطاعن قد أقر واعترف بالعبارات الشائنة التي دونها على صفحته الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك» ضد رئيس الجمهورية معللا ذلك بأنها حرية رأي وظل هذا الاعتراف قائمًا منه دوَنه في تقرير الطعن وظل مصاحبًا له طوال إجراءات التقاضي حتى لحظة حجز الطعن للحكم، فإن قضاء هذه المحكمة قد استقر على الاعتراف دون إكراه أو قسر، يجيز التعويل عليه باعتباره دليلًا من أدلة الإثبات، وأن لقاضي الموضوع متى تحقق من أن الاعتراف سليم مما يشوبه واطمأنت إليه نفسه أن يأخذ به في إدانة المعترف سواء أكان هذا الاعتراف صدر أمامه أو أثناء التحقيق مع المُحال للمحاكمة، سواء كان مصرًا على الاعتراف أو عدل عنه في محل القضاء أو في أحد مراحل التحقيق، اعتبارًا بأن هذا من سلطة قاضي الموضوع وغير خاضع في تقديره لرقابة المحكمة الأعلى، وذلك بحسبان أنه من المسلمات القانونية أن الاعتراف سيد الأدلة، ومتى كانت المخالفة المنسوبة إلى المحال ثابتة من واقع إقراره الصحيح فذلك يغني عن أى دليل آخر.
وأوضحت المحكمة أنه عن إهانة رئيس الدولة فإنها تقع بأي وسيلة من صور العلانية ويتسع مدلال الإهانة ليشمل السب والقذف وما هو أقل من ذلك من قول أو فعل أو إشارة أو صياح يمكن اعتباره إهانة أو عيب في حق الرئيس سواء كان إعلان هذا الرأي صراحة أو إيماء أو بكتابة أو رسوم أو صور أو رموز أو أية طريقة أخرى من طرق التعبير، وجريمة إهانة رئيس الدولة من الجرائم المضرة بالمصلحة العامة والعلة في ذلك أن المساس برئيس الدولة يعد مساسا باحترام وهيبة الدولة بسبب المركز الذى يتولاه في البلاد، لذلك تحرص التشريعات على توفير الحماية له حتى يتمكن من اَداء مهامه ومسئولياته الجسيمة في إدارة شئون الحكم والبلاد في هدوء وسكينة.
وأضافت المحكمة أن التحقق من مدلول العبارات أو الأفعال فيما إذا كانت تحوى إهانة أم لا إنما ترجع إلى قاضى الموضوع يقدرها مسترشدا بظروف الواقعة والألفاظ التى قيلت فيها زمانا ومكانا وما إذا كانت تتضمن معنى يحمل الإساءة أو المساس بالشعور أو الحط من الكرامة، وصفوة القول أن الإهانة في حق رئيس الجمهورية تشمل كل لفظ أو معنى يتضمن المساس بكرامته أو شعوره أو الإقلال من شأنه ويدخل في هذا النطاق ما يمكن أن يكون سبا أو قذفا على العموم وكل ما من شأنه التحقير والمساس بالشعورأو الازدراء ممن وجهت إليه، سواء كان ذلك عن طريق الكتابة أو الرسم أو التصريح أو بأية آلية للبث الصوت أو الصورة أو بأية وسيلة إلكترونية أو معلوماتية أو إعلامية أو عبر وسائل التواصل الاجتماعى.
وقالت المحكمة إن الثابت من الأوراق أن الطاعن بوظيفة «مدير التسجيلات الخارجية» بقناة «النيل للدراما» بدرجة مدير عام، ونُسب إليه وفقا لتقرير الاتهام الذى قدمته هيئة النيابة الإدارية في القضية رقم 220 لسنة 2016 كتابة عبارات شديدة الإهانة والسب لشخص رئيس جمهورية مصر العربية على صفحته الشخصية على النحو الوارد بالحكم المطعون فيه وتتعفف المحكمة عن ذكر تلك الألفاظ المشينة أو ترديدها فى صفحات حكمها انه خروج منه على واجبه الوظيفى فى سوء الألفاظ المستخدمة التى تنطوى على تطاول لفظى وهو فى موقع إعلامى حساس كان يجب عليه الالتزام التخاطب مع رؤسائه فما باله بمخاطبة رئيس الجمهورية رمز الدولة، ويكون ما نشره الطاعن عبر صفحته من عبارات وألفاظ السب والإهانة لرئيس الجمهورية ما يفقده الثقة والاعتبار اللازمين لتولى الوظائف العامة والاستمرار فيها، الأمر الذى يشكل فى حقه ذنبًا إداريًا جسيما يستوجب مجازاته عنه تأديبيا بما يردعه عن تنكبه جادة الصواب، ويكون مجازاته بعقوبة الفصل من الخدمة هو الجزاء الأوفى، ويكون ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه حقًا وصدقًا، ويغدو الطعن على الحكم المطعون فيه لا سند له من القانون ولا ظل له من الواقع متعين الرفض.
واختتمت المحكمة أنه لا يجوز الحجاج بما تذرع به الطاعن من أن ما كتبه على صفحته الشخصية من عبارات مشينة فى حق رئيس الجمهورية أنه رأيه الشخصى فى مسألة جزيرتى «تيران وصنافير» وقوله إنها قضية وطنية تخص الأمن القومى ولا يجوز مساءلته عن رأيه الشخصى خاصة أنه خارج العمل، ذلك أن قضاء هذه المحكمة قد استقر على أن الموظف العام ملزم بأداء واجبات وظيفته وعدم الخروج على مقتضياتها وأن أداء واجبات الوظيفة قوامه القيام بالواجبات المنوطة به بموجب بطاقة وصف الوظيفة التى يشغلها وما يُكلف به من رؤسائه وأن الخروج عليها أو الإخلال بها يقيم مسئوليته التأديبية ويوجب مجازاته، كما يتوجب أيضا على الموظف العام عدم الخروج على مقتضيات وظيفته وهي الواجبات التي يتعين الالتزام بها خارج نطاق وظيفته وخارج دائرة عمله بحسبان أنها تمسه فى كرامته وتحط من اعتباره وتورده مواطن الشبهات ويمتد هذا بوصفه موظفا عاما إلى وظيفته والمرفق الذى ينتمى إليه فتلقى عليهما ظلالًا من سوء ما ارتكبه الموظف من مسلك معيب خارج نطاقهما وهو أيضا ما يقيم مسئوليته التأديبية ويجيز مجازاته عنها.