أردوغان يغتال حرية الصحافة.. قتل وسجن وإغلاق للصحف
كتبت عبدالعزيز السعدنيالإعلام الحر ومناصرة الصحفيين ومناهضة الديكتاتورية.. كلها شعارات يرفعها رجب طيب أردوغان على الملأ وأمام العالم أجمع، ونساها أو يتناساها في الداخل فقط.
فرغم فتحه ذراعيه لإعلام جماعة الإخوان الإرهابية تحت شعار "حرية الصحافة" إلا أن دولته صنفت كـ"أكبر سجن للصحفيين في العالم" بعد احتجازها وقمعها لأكثر من 200 صحفي، واحتلالها المرتبة الـ175 من أصل 180 على لائحة حرية الصحافة حسب منظمة "مراسلون بلا حدود".
وقائع لا تقبل الشك
في واقعة لا تقبل الشك تعرض صحفي عارض أردوغان في مقال لمحاولة اغتيال أمام حفيده الذي يبلغ من العمر 4 سنوات، يقول الصحفي التركي هاكان دينيزلي، مدير تحرير صحيفة إيغيمن اليومية، في مدينة أضنة، إنه شهد كل أشكال المعاناة، بعد أن تعرّض لاعتداءات باللكم والركل والضرب بالعصي 28 مرة خلال مسيرته المهنية، لكن في المرة 29 تحوّل الأمر إلى إطلاق النار عليه أثناء اصطحابه حفيده البالغ أربع سنوات إلى دار الحضانة.
شرح دينيزلي ما تعرّض له قائلًا: "ركبت السيارة وكانت النافذة مفتوحة، أتوا وأطلقوا النار على ساقي وفروا"، ووقعت الحادثة في مايو 2019، في خضم موجة اعتداءات تعرّض لها ستة صحفيين خلال ستة أسابيع.
يضيف دينيزلي: "لا أخاف من هذه الاعتداءات، والرصاصات السبعة التي تلقيتها هي ميداليات شرف، لأنني أفعل ما هو صواب"، يعتقد الصحفي التركي أن مقالاته عن الفساد هي التي دفعت أردوغان إلى استهدافه، متابعا: "أنا فقط أحاول القيام بعملي بأفضل ما أستطيع".
في واقعة أخرى نقلتها عدسات التليفزيون تساءل صحفي في قناة "فوكس خبر" التركية في لقاء مع رجب طيب أردوغان، عمّا إذا كان الشعب سيحتج على ارتفاع الأسعار في سبتمبر، فجاء الرد من أردوغان مفاجئًا للجميع عندما تفجر غضبه قائلا: "الزم حدودك" مهددًا إياه ومتوعّدا بأن "الشعب التركي" سيجعله يدفع الثمن.
بينما كشف عدد من الصحفيين المضطهدين لموقع "أحوال تركية" الإخباري، عن معاناتهم مع السلطة الحاكمة في تركيا، وأوضحوا أنهم يعملون تحت ظروف صعبة للغاية، وأن حجم معاناته قد زاد بشكل كبير، تزامناً مع إعلان حالة الطوارئ.
وأكد الصحفيون أنهم يركزون جهدهم على رسم الحدود، التي لا ينبغي تخطيها أثناء قيامهم بعملهم، فقد تحولت مهنة الصحافة إلى درب من دروب المستحيل في ظل فرض حالة الطوارئ، ومحو الصور التى تم التقاطها، من ذاكرة كاميرا التصوير، والقبض عليهم والطرد من عملهم، بعد غلق المؤسسات الصحفية التي يعملون بها.
احتجازات غير مسبوقة
قالت "لجنة حماية الصحفيين" إن السلطات التركية تضطهد الصحفيين وتقوم حتى بالهجوم عليهم أثناء القيام بمهامهم، وتحتجز السلطات التركية الصحفيين في وسط حملة القمع الجارية والتي تسارعت في أعقاب محاولة الانقلاب، وهذا العدد هو أعلى عدد تسجله أي دولة في أي وقت من الأوقات، حسب سجلات لجنة حماية الصحفيين.
وتعتبر تركيا حسب وصف المدافعين عن حقوق الإنسان "أكبر سجن في العالم، نظرًا لتصدرها قوائم معتقلي الصحفيين"، حيث يقبع في السجون التركية حوالي 200 صحفي وفق الإحصائيات المتوفرة في أغسطس 2017، وجميعهم يواجهون اتهامات بمناهضة الدولة، بالإضافة إلى إغلاق أكثر من 100 وسيلة إعلام.
القمع ينال الصحفيين الأجانب أيضًا
قال ستيفن وولف، عضو البرلمان البريطاني في البرلمان الأوروبي، على قناة يورونيوز، إن رفض تركيا الشهر الماضي تجديد أوراق اعتماد ثلاثة صحفيين ألمان هو محاولة من الرئيس رجب طيب أردوغان لإظهار أن قوة بلاده مساوية للقوى الغربية.
ومُنع توماس سيبرت، مراسل صحيفة "دير شبيغل" اليومية في برلين، ويورج برايس، مدير استوديو إسطنبول للقناة الألمانية العامة "ZDF"، من الحصول على بطاقات صحفية جديدة لمتابعة عملهم في تركيا، على اعتبار أن الصحفيين الأجانب يحتاجونها للعمل.
حتى المحاكم اعترفت بالانتهاكات
أعلنت المحكمة الدستورية، وهي أعلى هيئة قضائية في تركيا، أن حقوق الصحفيين الذين تم اعتقالهم بتهم الإرهاب بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة في منتصف يوليو 2016، انتهكت في سجون تركيا.
وأكدت أعلى هيئة قضائية في تركيا، أن السلطات التركية انتهكت الحقوق الإنسانية لصحفيين ينتقدان الرئيس رجب طيب أردوغان، وقالت المحكمة الدستورية في تقرير نشرته وكالة أنباء الأناضول إن الحق في حرية التعبير والسلامة الشخصية للصحفيين "قدري غورسيل" و"موراك أكسوي"، انتهكا.
وأمضى "غورسيل" نحو عام في السجن بعد توقيفه في 2016 على أثر المحاولة الانقلابية، وقد أدين مع عدد من زملائه في "جمهورييت" إحدى الصحف النادرة المعارضة لأردوغان التي مازالت تصدر "بمساعدة منظمات إرهابية" في محاكمة أثارت قلقًا على حرية الصحافة في تركيا.
ويقول محاميان إن ستة من العاملين بالصحيفة عادوا إلى السجن الأسبوع الماضي لقضاء المدة المتبقية من أحكامهم، وبدأت "قضية جمهورييت" في نهاية 2016 مع توقيف حوالي عشرين من العاملين فيها، وقد أصبحت مثالًا على تراجع حرية الصحافة في تركيا وخصوصًا منذ محاولة الانقلاب.
محاولات أوروبية لإنقاذ الصحفيين
دعم مفوض مجلس أوروبا لحقوق الإنسان، نيلز مويزنيكس، دعاوى صحفيين سجناء في تركيا ضد حكومة أنقرة لدى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في ستراسبورج، وشكك المفوض في رده على المحكمة في وجود أي سبب مشروع يسمح بسجن الصحفيين على ذمة التحقيقات.
وأوضح المفوض أن المحكمة الدستورية العليا في تركيا لم تبت حتى الآن في أي من دعاوى الصحفيين المسجونين وإنه تم عزل اثنين من قضاة المحكمة الدستورية و نحو ربع أعضاء الهيئة القضائية في تركيا إجمالا.
من جانبها حذّرت الرابطة الألمانية للصحفيين، من السفر إلى تركيا بالنسبة للصحفيين والمدونين، موضحةً أن ذلك يسري أيضًا على السفر لقضاء عطلات خاصة، تحسبا لحدوث عمليات اعتقال وملاحقات قضائية لمواطنين ألمان أكثر من مرة، على خلفية إبداء آراء منتقدة للحكومة في مواقع التواصل الاجتماعي.
وأصدرت منظمة مراسلون بلا حدود الدولية بياناً أدانت فيه منع السلطات التركية عددًا من الصحفيين من حضور المؤتمرات الصحفية، وطالبت منظمة مراسلون بلا حدود الحكومة التركية بعدم إعاقة عمل المراسلين الأجانب داخل الأراضي التركية، ومنحهم تصاريح معتمدة لممارسة أعمالهم.
أردوغان.. حامي الصحفيين
وبينما تواصل تركيا اعتقال الصحفيين والمواطنين على حدّ سواء، يُحاول الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان الظهور كرائد في مجال حقوق الإنسان ومُدافع عن الحريات الصحفية من خلال استغلال قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي.
وقالت صحف ألمانية وسويسرية، إن أردوغان لم ينجح هذه المرة أيضا رغم خطبته العصماء في الإقناع بأنه ضمير البشرية وحامي للصحفيين ورجل الدولة الذي يكشف الغموض بل قدّم نفسه مجددا على أنه أستاذ في اللعب بالسلطة لعبة مزدوجة سخيفة.