حسين كمال.. مايسترو الرومانسية الذي أزعج «عبد الناصر» وصفق له «السادات»
محمد شوقيحالة خاصة في السينما المصرية.. مخرج فريد من نوعه و ليس امتدادا لأحد سبقه ولا أحد يشبه من بعده.. من يصدق أنه أخرج في عام واحد فيلمين متناقضين تماما «شىء من الخوف، وأبي فوق الشجرة» شتان بين الاثنين ومع ذلك نجح نجاحا رهيبا في الإثنين معا.
المدهش أنه تفوق بنفس القدر في جميع نوعيات أفلامه رومانسية «حبيبي دائما، دمي ودموعي وابتسامي»، اجتماعية «إمبراطورية م»، سياسية «إحنا بتوع الأتوبيس، وشىء من الخوف، وثرثرة فوق النيل»، استعراضية «أبي فوق الشجرة، ومولد يا دنيا»، ولا يكتفي بأن يقدم نوعيات من جميع الأفلام بل ويتفوق فيها فلا تعلم هل هو مخرج سياسي أم استعراضي أم رومانسي أم ماذا؟.
ومن المدهش أيضًا في هذا الرجل العظيم، أنه المخرج السينمائي الوحيد الذي أخرج للمسرح والتليفزيون والإذاعة بل وأخرج الأوبريت والأغنية التليفزيونية ونجح أيضًا نجاحًا مدويًا لفت النظر حوله ليصبح ظاهرة فنية نادرة.
موضوعات ذات صلة
حسين محمد أحمد كمال، المولود في 17 أغسطس 1934، درس في معهد باريس للسينما، ثم درس الإخراج المسرحي والدراما في روما، بدأ أول افلامه عام 1965 فيلم «المستحيل» عن قصة الدكتور مصطفى محمود وإذا بالنقاد يشيدون به ويحتفون بميلاد مخرج كبير ولكن الفيلم لم يلقَ أي نجاح يذكر رغم قيمة وأهمية الفيلم حيث اختير واحدًا ضمن أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية.
فبكى حسين كمال، واعتزم أن يختلف في الفيلم التالي وكان فيلم «البوسطجي» عن قصة الأديب يحيى حقي، وتحقق أمل حسين كمال، في هذا الفيلم حيث نجح جماهيريا وفنيا وتم هو أيضًا ضمن قائمة أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية.
حسين كمال يبكي علي عبد الحليم حافظ
وكان عام 1969 من أهم أعوام حسين كمال، المخرج على الإطلاق فقدم فيلمين من أهم أفلامه بالرغم من أنهما عكس بعض الفيلم الأول «أبي فوق الشجرة»، آخر أفلام عبد الحليم حافظ، وأنجح أفلامه على الإطلاق، حيث إن هذا الفيلم استمر عاما كاملا في دور العرض ولم يرفع من دور العرض إلا بقرار من وزير الداخلية من أجل أن يعطي فرصة لغيره من الأفلام، ويعد هذا الفيلم هو أول فيلم مصري يستمر عرضه عاما كاملا دون انقطاع بل ويكاد يكون الوحيد في تاريخ السينما المصرية.
وكان من طلبات حسين كمال، أن يرتدي عبد الحليم حافظ، مايوه، فلم يوافق عبد الحليم، فظن حسين كمال، أن عبد الحليم يمارس نجوميته عليه فرفض ذلك، وأصر على ارتداء المايوه فأمام إصرار حسين كمال، قال له عبد الحليم: «بص يا حسين لو لبست مايوه أثر العمليات الجراحية إللي عملتها هتبان وهتبقي الصورة مش حلوه قدام عيون الجمهور»، وعندما رأى حسين كمال هذه الآثار بكى من رؤيتها وقال لعبد الحليم «أنا هتصرف» فرتدى شورت ومسح فوقه بمادة لا تظهر أثر العمليات الجراحية وابتعد كثيرا عن تركيز الكاميرا على هذه الآثار.
والفيلم الثاني، رائعة الأديب الكبير ثروت أباظة «شىء من الخوف» صاحب أشهر عبارة في تاريخ السينما المصرية «جواز عتريس من فؤاده باطل» مع شادية ومحمود مرسي.
ويعد هذا الفيلم هو أهم فيلم في تاريخ حسين كمال الفني على الإطلاق وأصبح أحد أيقونات السينما المصرية وشهد أول معركة له مع النظام فكاد ألا يرى هذا الفيلم النور، وذلك بسبب وشاية للزعيم جمال عبد الناصر تؤكد له أن بطل الفيلم «عتريس» يرمز له مما تم إيقاف الفيلم، وجاء السادات مندوبا عن الزعيم جمال عبد الناصر، ليرى الفيلم ويحكم بنفسه فاختلط على السادات الأمر، وخشي أن يوافق دون الرجوع لعبد الناصر، فأخذ معه نسخة من الفيلم ليراها جمال عبد الناصر بنفسه وكان، فضحك عبد الناصر وأمر بعرض الفيلم.
والعجيب أن الفيلمين المختلفين تم عرضهما في عام واحد وتم اختيارهما أيضا ضمن قائمة أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية، وبدأت الانتقادات تنهال على حسين كمال بسبب فيلم «أبي فوق الشجرة»، ظنا منهم أنه انجرف نحو السينما التجارية.
وشق حسين كمال طريقه، في السينما ليصبح أحد أهم 10 مخرجين في تاريخ السينما المصرية رغم أفلامه قليلة العدد «27 فيلما سينمائيا»، ليقدم بمنتهي البراعة جميع نوعيات ومواضيع الأفلام السياسية والاجتماعية والاستعراضية والرومانسية الذي كان متوهجة فيها من خلال أفلام من أهمها فيلم «حبيبي دائما» مع نور الشريف، وبوسي، الذي كان غير مقتنع بها في بادىء الأمر، متعللا أن الدور كبير عليها وفوق موهبتها وكان مرشح ميرفت أمين، ولكن أمام إصرار نور الشريف، وافق بشرط أن تقوم بوسي أمامه بعمل تيست كاميرا وآخر تمثيل ليطمئن مما أحرج نور الشريف قبل بوسي، وقد كان وأصبح هذا الفيلم أحد أهم الأفلام الرومانسية في تاريخ السينما المصرية.
غازل مشاعر وأحاسيس المرأة من خلال أفلام مأخوذة عن الكاتب الكبير إحسان عبد القدوس في افلام «أنف وثلاث عيون، ولا شىء يهم، ودمي ودموعي وابتسامي، والعذراء، وأرجوك اعطني هذا الدواء، وأيام في الحلال»، فهو أكثر مخرج تفاعل مع روايات إحسان عبد القدوس.
تعد سينما حسين كمال، روائية، فتكاد تكون معظم أفلامه مأخوذة عن روايات أكبر كتاب مصر مثل نجيب محفوظ في أفلام «ثرثرة فوق النيل، ونور العيون»، والدكتور مصطفى محمود، في فيلم «المستحيل»، وثروت أباظة في فيلم «شىء من الخوف»، ويحيى حقي في فيلم «البوسطجي»، ويوسف إدريس في «النداهة»، وسعد الدين وهبه في «آه يابلد آه».
يعد حسين كمال، المخرج الوحيد في جيله الذي تعامل مع كبار نجمات سينما الزمن الجميل، مثل فاتن حمامه، في «إمبراطورية م»، وشادية في «شىء من الخوف، ونحن لا نزرع الشوك»، وماجدة الصباحي في «أنف وثلاث عيون، والنداهة»، نادية لطفي في «المستحيل، وعلى ورق سوليفان»، وزبيدة ثروت في «لا شىء يهم».
خلافه مع فاتن حمامه
تعامل مع فاتن حمامة في فيلم «إمبراطورية م»، وكان قد رشح لها وجدي العربي، ليقوم بدور ابنها الكبير وعندما رأته رفضته بعد ما كانت موافقة عليه مما عرضه للحرج مع وجدي العربي، ثم أزعجه تدخلها المستمر و المستفز على حد قوله في تفاصيل الفيلم مما كاد أن يترك الفيلم لولا احتواء رمسيس نجيب للموقف.
هجومه على سينما الثمانينات
هاجم سينما الثمانينات هجوما ضاريا بسبب ما يقدمونه في أفلامهم التي يزداد فيها جرعة الاكتئاب والإحباط تحت مسمى سينما الواقعية كما يسمونها فأطلق هو عليهم «سينما الصراصير»، كما اعترض على سينما يوسف شاهين أيضًا قائلا: «يوسف شاهين بيعمل سينما للمهرجانات العالمية وليس البسطاء»، وقال أيضا «أفلامي لم تصل للمهرجانات العالمية لكنها وصلت للبسطاء وهذا يكفي وأنا لا أملك الوسطاء الذين يوصلوا أفلامي لكان»، مشيرا إلى يوسف شاهين في ذلك.
قدم حسين كمال، أعمالا تليفزيونية ابتداها في إخراج أوبريت «الأرض الطيبة»، الموسيقار محمد عبد الوهاب، الذي تعامل معه عن قرب ثم أخرج أغنيات «الطير المسافر وبحلم معاك وفاكرة»، لنجاة الصغيرة، وهو من أحد أهم مخرجي السينما ولكن حبه للتنوع كان سابقا ومن قبل هذا كله أخرج أوبريت في الستينات بعنوان «الدندرومه»، وكان أوبريت شهير ظل يعرض على شاشات التلفزيون حتى منتصف التسعينات دون انقطاع وبسببه تم ترشيحه لإخراج فيلم «أبي فوق الشجرة».
ثم أخرج مسلسلات تليفزيونية مثل «عودة الروح» للأديب الكبير توفيق الحكيم، وأعاد عمل «أفواه وأرانب»، كمسلسل تليفزيوني في نهاية السبعينيات، ثم كان آخر عمل تليفزيوني له هو مسلسل «نحن لا نزرع الشوك» والذي قدمه سينمائيا من قبل.
أيضا تفوق على نفسه من خلال المسرح، فأخرج مسرحيات عديدة وكلها علامات مسرحية لامعة مثل «الواد سيد الشغال»، مع عادل إمام، والتي ظلت تعرض 10 سنوات متواصلة في سابقة لم تحدث في تاريخ المسرح العربي.
وقدم شادية، على المسرح لأول وآخر مرة في حياتها من خلال مسرحيتها «ريا وسكينة» والتي نجحت فيها شادية حتى كانت تبكي يوميا كلما شاهدت النجاح المتزايد وظلت تعرض 3 سنوات متواصلة ولولا رفض شادية الاستمرار في العرض لظلت أكثر من ذلك، ثم مسرحية «علشان خاطر عيونك» مع فؤاد المهندس، وشيريهان، مسرحية «أنا والنظام وهواك» مع سمير غانم، ومسرحية «الجميلة والوحشين» مع ليلى علوي.
ساهم حسين كمال، في نجومية كبار نجوم الشاشة مثل محمود ياسين، الذي أسند إليه أول بطولة في حياته الفنية في فيلم «نحن لا نزرع الشوك»، وكانت انطلاقته في عالم النجومية العريضة، وفتح الطريق لميرفت أمين، وسهير رمزي، وماجدة الخطيب، في فيلم «ثرثرة فوق النيل» للبطولات المطلقة بعد ذلك، كما ساهم في جعل اسم نبيلة عبيد، كأحد أهم نجمات الشاشة الأولى في الثمانينات من خلال تقديمه لها في فيلم «العذراء والشعر الأبيض» بعد ما اعتذرت عنه شادية وكان فاتحة خير على نبيلة عبيد التي بهذا الفيلم وبأفلامها الخمسة مع حسين كمال، أصبحت نجمة مصر الأولى كما أطلق عليها.
أيضا كان له الفضل الكبير على شيريهان، فقدمها في فيلم «العذراء، والشعر الأبيض»، وكانت ومازالت لا يعرفها الكثير، ومن خلال هذا الفيلم تعاملت بعد ذلك مع عادل إمام في فيلمين، ثم جاءتها فرصة عمرها في الفوازير.
يعد حسين كمال، من أهم مخرجي السينما المصرية، وأهم مخرجي جيله حيث حظيت ستة أفلامه ضمن قائمة أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية والمدهش أن الستة أفلام هذه هي تقريبا أول ستة أفلام يخرجها في قائمة أفلامه الـ 27.
كان بعيدا عن الإعلام محبا للعزلة بعيدا عن الشللية يحب السفر والقراءة، وكان آخر أفلامه فيلم «ديك البرابر»، عام 1992، ونال فيه جائزة أفضل مخرج، ونال فيه فاروق الفيشاوي، جائزة أفضل ممثل، وآخر عمل فني له مسلسل «نحن لا نزرع الشوك» عام 1998 ونالت فيه آثار الحكيم، جائزة أفضل ممثلة فى مهرجان الإذاعة والتلفزيون، وخالد النبوي، جائزة أفضل ممثل.
ورحل حسين كمال، في صمت، 23 مارس 2003، دون ضجيج كما كانت حياته بسيطة مرحة، رحل وكان موته صدمه كبيرة في قلوب محبيه ممن قدمهم من نجوم ونجمات وكذا جمهوره الذي أحبه.