استشاري جراحة العظام والمفاصل‏: الحمل المتكرر خطر داهم على عظام المرأة

ربما كان المحفز وراء دعوات تحديد النسل هو اجتماعي واقتصادي بالأساس، فكما أنه يخفف من وطأة استنزاف الموارد والإرهاق الاقتصادي لبدن الدولة، ويكفل تمكين الأسرة من توفير الرعاية والتعليم والصحة والمستوى المعيشي الأفضل للأبناء، فها هو العلم يعضد هذه الدعوة، ويكشف بعدا جديدا للآثار الخطيرة التي تسببها كثرة الإنجاب، وهذه المرة على جسد الأم وهيكلها العظمي، هذا ما يكشفه الدكتور أحمد سمير فرحات، استشاري وعضو هيئة تدريس جراحة العظام والمفاصل بطب قصر العيني، دكتوراة جراحة العظام والمفاصل.

ففي دراسة علمية حديثة نشرت نتائجها الصادمة، وتحدثت عنها وكالة “ساوث ويست نيوز سيرفس” SWNS.. وأجريت على إناث سبق لهن الحمل أظهرت عظامهن بعد الحمل والولادة تغيرات دائمة بشكل ملحوظ طرأت على هيكلهن العظمي وتركيبته، حيث كان لديهن مستويات أقل من الكالسيوم والفسفور شديدي الأهمية لصحة العظام، كما عانين من انخفاض كبير في مستوى المغنيسيوم أيضا.

كما أن الدراسة اقترحت وجود تغير في ديناميكية العظام تجعل أثر الحمل والولادة محفورا على عظام الأم إلى الأبد.

الحمل يتسبب بشكل مؤكد في تدهور كتلة العظام

وعند ربط هذه الدراسة من علم الأنثروبولوجيا بدراسات طبية متعددة عن تأثير فقد هذه العناصر على صحة العظام نجد أن الحمل يتسبب بشكل مؤكد في تدهور كتلة العظام، حيث يتم بناء الهيكل العظمي للجنين بالكالسيوم الذي يجري في دم الأم، والذي يستمد من ارتشاف عظامها، كما أن فترة انخفاض هرمون الإستروجين التي تلي الحمل تطال هذا التدهور بالزيادة فيه.

كثرة الإنجاب خطر على الهيكل العظمي للمرأة

ويضيف د. أحمد سمير فرحات، أنه في دراسة أخرى حديثة جدا نشرها المعهد الوطني لالتهاب المفاصل وأمراض الجهاز العضلي الهيكلي الأمريكي أن الحمل في حالات نادرة قد يتسبب في حدوث هشاشة العظام.. وهي حالة طبية تزيد بها مخاطر التعرض للكسور من أقل الحوادث في الفخد والعمود الفقري وغيرها، وما يصاحب ذلك من آلام كما أن نفس الدراسة أثبتت أن ما تتناوله الأم خلال الحمل من مكملات الكالسيوم لا يمكن لها أن توقف عملية تذويب عظامها لأخذ الكالسيوم اللازم لبناء هيكل الجنين.

تناول الأطعمة الغنية بالكالسيوم وممارسة التمارين البسيطة

لذلك ينصح استشاري جراحة العظام والمفاصل، كل أم بتناول الأطعمة الغنية بالكالسيوم، مثل الحليب ومنتجات الألبان والسردين والجمبري والسلمون والسمسم والبروكلي والكرنب وفول الصويا، أو بأخذه إذا ما وُصِف من الطبيب وممارسة التمارين البسيطة، مثل المشي والسباحة واليوجا وتمارين التمدد والدفع التي من شأنها تقوية العضلات التي تدعم العظام، والتزام عدم الزيادة المفرطة في الوزن وتعريض الساقين والذراعين والوجه لأشعة الشمس نهارا (قبل الساعة ١٢ ظهرا)، والتي تزيد من فيتامين "د"، بدون وضع واقٍ للشمس الذي قد يحد من امتصاص الأشعة المنتجة لفيتامين "د"، وتناول الأغذية التي تحوي فيتامين "د"، مثل الفطر البري والتونة وصفار البيض أو المدعمة به، مثل حبوب الإفطار وعصير البرتقال والحليب والزبادي إلى آخره من الأغذية الصحية المدعمة بفيتامين "د".

وختاما يقول د. سمير فرحات: هذه الأم التي تحمل جنينها وهنا على وهن.. بتنا الآن نعلم أن الآلام التي تتحملها في فترة الحمل، سواء كانت آلام عظام أو مفاصل أو عضلات ليست هي الوهن الوحيد.. فهي تحمل علامات تضحيتها هذه منقوشة بمداد الأمومة على عظامها فتذيبها من أجل جنينها الذي يترك علاماته للأبد.

عدد مرات الحمل يرهق جسد الأم وعظامها

ويضيف أنه وإذ تباينت آراء المجتمع حول قضية تحديد عدد مرات الإنجاب، فإنني، ومن وجهة نظري كجراح للعظام والمفاصل، مهتم بما يتعلق بصحة العظام، أسلط الضوء على أثر تكرار عدد مرات الحمل التي ترهق جسد الأم وعظامها وبناءها العضلي الهيكلي.

ويقول استشاري جراحة العظام والمفاصل: إنني ومن وجهة نظري كإنسان فإن ما يرسخ في قناعتي هو أن رسالة الأمومة لن تكون أبدا أفضل بكثرة عدد الأطفال، بل بالحفاظ على صحة الأم التي تعد عمود الأسرة الثابت ونصف المجتمع واليد الأخرى التي ترسم ملامح النهضة والرخاء.. وإن باكورة هذه الرسالة النبيلة ليست مهمومة بالعدد بل بتقديم التربية السليمة التي من شأنها أن تصنع إنسانًا فاعلا منتجًا يفخر به هذا الوطن.