موقع السلطة
الثلاثاء، 26 نوفمبر 2024 04:09 مـ
موقع السلطة

رئيس التحرير محمد السعدني

  • اتحاد العالم الإسلامي
  • nbe
  • البنك الأهلي المصري
لايت

الإنسان صانع المستقبل.. تعريف الحضارة عند القدماء

أرشيفية
أرشيفية

مفهوم الحضارة لغة واصطلاحاً

لا يُعدّ مفهوم الحضارة اليوم مفهوماً حديثاً، إنّما هو مفهومٌ ضاربٌ في القدم منذُ تاريخِ وجودِ الإنسان على هذه الأرض؛ إذ لا حضارة بلا إنسان، ولا إنسانَ من غير تاريخ، ولا وجود لحضارة لا تنتمي لتاريخ؛ حيثُ إنّ الحضارة جزءٌ من التّاريخ، ولكلِّ حضارةٍ تاريخها المُحدد، ولكلّ إنسانٍ حضارته.

كما تُعدّ الحضارة الوجهُ للآخر للإنسان؛ وبها يظهرُ مقدار قوّته، وضعفه، وتقدّمه،فما هي الحضارة؟ وكيف نشأت؟ وما النّظريات التي وُضعت لتفسير نشوئها؟ وما الفرق بينها وبين الثقافة؟ هذا ما سيتطرّق له هذا المقال.

تعريف الحضارة عُرِّفت الحضارة بكثير من التعريفات من قِبل علماء الأنثروبولوجيا، فقال رالف بدنجتون (بالإنجليزية:Raiph Piddington) إنّ حضارة أيّ شعبٍ ما هي إلا حزمةُ أدواتٍ فكريّة وماديّة تُمكّن هذا الشعب من قضاء حاجاته الاجتماعية والحيوية بإشباع وتُمكّنه كذلك من أن يتكيّف في بيئته بشكلٍ مناسب.

كما عرَّف إدوارد تايلور (بالإنجليزية:Edward Tylor) الحضارة بأنّها: الكلُّ المركب الذي يجمع بداخله جميع المعتقدات، والقيم، والتقاليد، والقوانين، والمعلومات، والفنون ، وأيّ عادات، أو سلوكات، أو إمكانات، يُمكن أن يحصل عليها فردٌ ما في مجتمعٍ ما.

ويُمكن تعريف الحضارة في النّهاية على أنّها إرثُ الإنسان المادي والمعنويّ الذي خلّفه في الماضي، والذي اعتمد عليه الإنسان لإكمال مسيرة حياته وتقدّمه الحالي، سواءٌ أكانت مظاهر معنوية كأسلوب الحياة، والمعيشة اليومية، والعلوم، والمعارف، أو أدواتٍ ووسائل ماديّة بقيت أثراً لوجوده كالبُنيان، والمسكوكات، والأعمال اليدوية المختلفة؛ مثل الخزف، والفخار، وغيرها.

نشوء الحضارات بدأ نشوء الحضارات على أُسسٍ قَبليّة، حيثُ استمدّت مددها من قوّة رابطة الدّم والقرابة، فكوّنت القبيلة بذلك مجالاً حضريّاً له العديد من الأنماط، والعادات الخاصة به والتي تُنظّم سلوك أفراده في نسقٍ اجتماعيّ واحد.

و بدأت تتطوّر لِتنتقل من النطاق القبليّ إلى النطاق الدينيّ الذي ضمّ بدوره قبائل عديدة. ومن ثم تطوّرت للنطاق السياسيّ الذي ساهم في اندماج جماعاتٍ مُنعزلةٍ مع جماعاتٍ أخرى.
و تشكّلت عبر التاريخ عدّة نظريات حول نشوء الحضارات، ونستعرض أهم هذه النظريات فيما يأتي.

نظرية البيئة تُقرّر هذه النّظرية أهميّة العوامل البيئية في نشوء الحضارات وتشكُّلها، وقد خرجت هذه النظرية للعالم في القرن الخامس قبل الميلاد، وقد تحدّث فيها كثيرٌ من مفكري اليونان حيثُ قالوا بأثرِ المكانِ، والماء، والجوّ على الإنسان في تفكيره وطبيعة خلقه.

كما تُعدِّدُ هذه النّظرية بعضاً من الشّروط الأساسية لقيام الحضارات ونموها، وتطوّرها، أو انحطاطها، ومنها: وجود المطر، وطبيعة الترّبة من حيث صلاحيتها للزراعة، وارتفاع أو انخفاض درجات الحرارة، وطبيعة الموقع الجغرافيّ.
نظريّة ابن خلدون
قدّم ابن خلدون تحليلاً خاصاً به في نشوء الحضارات، وتطرّق لأثرِ البيئة الواضحِ في الصفات البيولوجية للإنسان، مما يُقرّر أثرها على عاداته، وسلوكاته، وعقله، وقراراته، حيثُ قال بأنّ للمناخِ دوراً مهمّاً ورئيساً في الأمر؛ فإن كان المُناخ في منطقة ما حاراً فستتولّد أفكارٌ، وعادات، وتقاليد ذات طبيعة صلبة وحارّة، أما إن كان مُعتدلاً مثلاً فسينتجُ عنه أفكار وتقاليد معتدلة، وهكذا.
كما وصف ابن خلدون الإنسان بأنه كائن مدني بطبعه، ودعا إلى أهمية علم الاجتماع وطبيعة العلاقات بين البشر التي تؤدي لنشوء الأنظمة التي تحكم المجتمعات.
نظريّة فيكو
يُقرُّ الفيلسوف الإيطالي جان باتيستا فيكو ( بالإنجليزية: Giovanni Battista Vico) وجوبَ وجودِ قوانينَ معيّنة وموحّدة تُساهم في تشكيل الأمم والشّعوب، ويشعرُ بهذه القوانين طبقةٌ من الناس أو طبقةٌ من أمة أو شعب، دونَ أنْ يكونَ أحدهم على علمٍ بالآخر.

ولا تأتي القوانينُ هذه عن طريق العقل، إنّما تأتي من "الحسن المُشترك" إلى "الحُكم دون تفكير". كما يقولُ فيكو إنّه لا وجودَ لعُقلاء أو فلاسفة قبل أن توجدَ الحضارة والدّولة، مُعارضاً بقوله هذا نظرية الفلاسفة العقليين الذين يقولون إنّ المجتمع جاءَ به وصنعه العُقلاء. نظريّة الجنس أو العرق جاء بهذه النّظرية أوزوالد تسينجلو، حيثُ يُفسِّر فيها التاريخ وفقاً للعلية والمصير الكاشف، وقال إنّ نشوء الحضارات يمرّ بمراحلَ تشبه المراحل التي يمرّ بها الإنسان.

ويعتبر أن عامل الجنس القائم على الاختلاف البيولوجي والوظيفي بين الذكر والأنثى هو أساس تقييم العمل الذي يتم داخل المجتمع. كما يقولُ أوزوالد بأنّ لكلّ ثقافةٍ وحضارةٍ ما يُميّزها وما يمنحها طابعها الخاص الذي لا ينافسها فيه أحد ويُعبّر عن خصوصيّتها، وإنْ تشابهت جميع الحضارات في العالم في دورة حياتها من البربرية إلى البدائية ومن ثم إلى المدنيّة، لتصل لمرحلة الأصول؛ وهي المرحلة التي تأتي بتراكم التكنولوجيا، وسقوط القيم العاطفية، والروحيّة، لتنتهي أخيراً بمرحلة حياةٍ جذريّة.
وقد ثبتَ في الوقت الحاضر عدم جدوى هذه النّظرية وسقوطها تاريخياً؛ حيثُ أثبتت الأبحاثُ والدِّراسات العلميّة أنّ الجنس البشريّ من حيثُ التّكوين البيولوجي حالةٌ واحدةٌ، وأنّ انتهاء اللغات لأصل واحدٍ لا يعني افتراض الجنس الواحد. كما أنّ العنصر ليسَ هو ما يصنعُ الحضارة، وإنّما تنشأ الحضارة ضمنَ شروطٍ معيّنة منها شروطٌ بيئية، واقتصادية، وغيرها.

البنك الأهلي
تعريف الحضارة الإنسان مستقبل ابن خلدون الأنثروبولوجيا الشعب اخبار مصر موقع السلطة
tech tech tech tech
CIB
CIB