في ذكرى رحيله.. ماذا قال زكي نجيب محمود عن كُتاّب المقال الأدبي في مصر؟
حشمت سعيدتحل اليوم ذكرى وفاة المفكر زكي نجيب محمود، الذي رحل عن عالمنا في 8 سبتمبر عام 1993، وخلّف ميراثًا كبيرًا من الفكر، خاصة في ميدان الفلسفة.
زكي نجيب محمود له العديد من المؤلفات، منها كتاب بعنوان جنة العبيط، وهو مجموعة مقالات أدبية، جعلها تطبيقًا عمليًا لصفات وشروط المقالة الأدبية التي وضعها في بداية الكتاب، فيقول: رأيت في المقالة الأدبية رأيًا أُخالِف به الذائع الشائع في أدبنا، وأُوافِق فيه رجال الأدب في الغرب، فقدَّمت للكتاب بفصلٍ في شروط المقالة الأدبية وأوصافها، ثم عقَّبت على ذلك بمقالات هي باستثناء عدد قليل منها في نهاية الكتاب، بمثابة التطبيق لما بسطت من قواعد.
يرى زكي نجيب محفوظ في بداية كتابه «جنة العبيط» أن من شروط المقالة الأدبية أن يكون الأديب ناقمًا، وأن تكون النقمة خفيفة يشيع فيها لون باهت من التفكُّه الجميل؛ فإن التمست في مقالة الأديب نقمة على وضع من أوضاع الناس فلم تجدها.
موضوعات ذات صلة
أوضح زكي نجيب محمود، أن المقالة إن افتقدت هذا اللون من الفُكاهة الحلوة المُستساغة، فاعلم أنها ليست من الأدب الرفيع في كثير أو قليل، مهما تكُن بارعة الأسلوب رائعة الفكرة.
يواصل زكي نجيب محمود: نريد من كاتب المقالة الأدبية أن يكون لقارئه مُحدِّثًا لا مُعلِّمًا، بحيث يجد القارئ نفسه إلى جانب صديق يُسامِره لا أمام مُعلِّم يُعنِّفه، نريد من كاتب المقالة الأدبية أن يكون لقارئه زميلًا مُخلِصًا يُحدِّثه عن تجاربه ووجهة نظره، لا أن يقف منه موقف الواعظ فوق منبره يميل صلفًا وتيهًا بورعه وتقواه، أو موقف المُؤدِّب يصطنع الوقار حين يصبُّ في أذن سامعه الحكمة صبًّا ثقيلًا؛ نريد للقارئ أن يشعر وهو يقرأ المقالة الأدبية أنه ضيف قد استقبله الكاتب في حديقته ليُمتِّعه بحلو الحديث، لا أن يُحِس كأنما الكاتب قد دفعه دفعًا عنيفًا إلى مكتبته ليقرأ له فصلًا من كتاب!
يذهب زكي نجيب محفوظ أن هذه الشروط غير متوفرة في المقالات الأدبية التي تكتب في مصر، مؤكدا أن الأديب المصري يكتب المقالة التي لو قيست بمعيار النقد الأدبي لطارت هباءً، وأغلقت دولة الأدب من دونها الأبواب.