”الإدارية العليا” تحسم قضية تزويج الأطفال القصر
كتب رمضان أحمد موقع السلطةحسمت المحكمة الإدارية العليا، قضية تزويج الأطفال التي تحدث في قرى مصر، واستنت مبدأ قانونيًا جديدًا بفصل إمام وخطيب مسجد بالغربية، كان يزوج الأطفال القصر عرفيًا بإحدى قرى الريف في الغربية، وهي الظاهرة التي أدت على مدار سنوات إلى كثير من الكوارث الأسرية تكون الضحية الطفلة وأولادها الأطفال، وقد بادرت وزارة الأوقاف إلى إحالته للنيابة الإدارية تمهيدًا لمحاكمته تأديبيًا.
صدر الحكم برئاسة المستشار عادل بريك نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية المستشارين الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى وحسن محمود ونبيل عطاالله وشعبان اسماعيل نواب رئيس مجلس الدولة.
وأكدت المحكمة، أن ظاهرة الزواج العرفى للقاصرات اغتصاب لحق الطفولة واعتداء صارخ على كرامة الطفل، وأن الزواج العرفى للأطفال يتعارض مع الدور الحمائي للمرأة، كما أكدت أن لإمامة المسجد منزلة عظيمة فى تبصير وسطية الإسلام لصلاح الوطن والمواطن.
وألقت المحكمة العبء الأكبر على وسائل الإعلام للتعاون مع رجال الدين للتوعية بمخاطر الظاهرة وآثارها النفسيّة السلبية على الأطفال، مؤكدة أن مصر سارعت بتنفيذ الميثاق الإفريقي بحظر زواج وخطبة الأطفال قناعة منها بريادتها للقارة الإفريقية، كما أكدت حسم جدلية سن الزواج بتأييد موقف المشرع المصرى بتحديد سن الزواج بـ18 سنة بتأصيل فقهى يتفق مع مبادئ الشريعة الإسلامية تحقيقا للمصلحة المعتبرة واتساقًا مع فقه الواقع.
وقالت المحكمة، إن وزارة الأوقاف هى من بادرت وقدمت بلاغًا إلى النيابة الإدارية، بشأن التحقيق فيما ورد بشكوى والدة الطفلة ضد الطاعن "فرج. م"، إمام وخطيب مسجد الأربعين بقرية ميت حبيب بمركز سمنود بالغربية؛ لتزويجه ابنتها الطفلة "أ. ف. أ" على الطفل "ر. ح. ع"، رغم كونهما قُصر، وأنه يزوج البنات الصغيرات اللاتي لم يبلغن السن القانونية عرفيًا بحجة أن هذا حلال شرعًا.
وأضافت، أن إمام المسجد كتب إيصالات أمانة على الزوج لحين إتمام البنت السن القانونية للزواج، وأن ابنتها حامل في الشهر السابع وحينما بلغت ابنتها السن القانونية للزواج رفض زوجها إتمام الزواج بصفة رسمية ورفض إمام المسجد منحها إيصالات الأمانة، قائلا لها إن الزوج لا يرغب بالزواج، وشهد ضده الكثير من أبناء القرية بأنه كان يساومهم على نصف العفش من أجل أن يكتب الكتاب.
وأكدت المحكمة، أن المشرع المصري كان حريصًا على حظر توثيق عقد زواج لمن لم يبلغ من الجنسين ثماني عشرة سنة ميلادية كاملة، في أكثر من نص تشريعى ولائحى، وألزم المشرع المأذون في هذه الحالة أن ينبه من يلقن صيغه العقد إلى ما قد يوجد من الموانع فإن لم يقبل امتنع المأذون عن توثيق العقد وأخطر المحكمة فورًا بذلك.
وأشارت، إلى أن الميثاق الإفريقي لحقوق ورفاهية الطفل الصادر عام 1990 والذى انضمت إليه جمهورية مصر العربية وصدقت عليه – وصار جزءًا من نسيجها التشريعى حظر زواج الأطفال وخطبة الفيتات والأولاد فى سن الطفولة، وألزم الدول الأعضاء باتخاذ الإجراءات – بما في ذلك التشريعات – لتحديد الحد الأدنى لسن الزواج ليكون 18 سنة، وتسجيل كافة الزيجات في سجل رسمى إجبارى، وكانت مصر من أولى الدول التي سارعت بتنفيذ الميثاق الإفريقى قناعة منها بريادتها وانتمائها إلى القارة الإفريقية وفقا لما نصت عليه المادة الأولى من الدستور السارى، فضلا عن كونها جزء من الأمة العربية والعالم الإسلامى واعتزازها بامتدادها الاَسيوى.
وأضافت المحكمة، أنه من مقامها هذا تلفت المجتمع إلى أن ظاهرة الزواج العرفى للقاصرات هي ظاهرة اجتماعية لها كثير من الآثار السلبية على الأسرة والمجتمع، حيث أن الفتاة في هذه المرحلة العمرية وهي مرحلة الطفولة تكون غير مهيأة من الناحية النفسية والعقلية والثقافية والجسدية لتقوم بمسئولية إدارة بيت ورعاية زوج وتربية أطفال، فتتحمل عبئًا لا قدرة لها عليه، ولا تستوعب دورها به مطلقًا، فمثل هذا الزواج يعد اغتصابًا للحق في الطفولة، واعتداءً صارخًا على كرامة الطفل، فهو من باب فقر الأخلاق، بل يمثل جريمة مكتملة الأركان في حق الأطفال القاصرات.
وأوضحت المحكمة، أن الزواج العرفى للأطفال القُصر يتعارض مع الدور الحمائى للمرأة، ويبنى زواجها على جرف هار ينهار بها وبأسرتها حال مواجهتها أنواء الحياة، ويزيد الأمر صعوبة حال حملها فتعرض حياتها وجنينها لمخاطر صحية قد تودى بها أو بطفلها أو بهما معًا إلى الهلاك، ثم هى وزوجها القاصر من بعد ليسا على دراية بتربية هذا الطفل ورعايته وهما اللذان في حاجة إلى تربية ورعاية.
فضلا عن ذلك، أكدت المحكمة أن لزواج القصر أثاره الاجتماعية الخطيرة كالتسريب من التعليم وتفشى الأمية وتدنى الصحة الإنجابية، بما ينعكس أثره على ذرية هذا الزوج، ويمتد هذا الأثر ليؤثر على سلامة المجتمع في جوانبه الأسرية والصحية والتعليمية وهى أثار تترك ندوبها على وجه المجتمع سنين عددًا ويغدو إصلاحها من الصعوبة بمكان.
ونبهت المحكمة إلى خطورة ظاهرة زواج الأطفال القصر عرفيًا، وأنه يجب مواجهتها ويقع على وسائل الإعلام التى تخاطب الشأن العام عبء كبير بالتعاون مع رجال الدين في التوعية السليمة لبيان مخاطرها والآثار النفسيّة السلبية لزواج الأطفال القصر بالحرمان العاطفي من حنان الوالدين، والحرمان من التمتع بمرحلة الطفولة التي إنمرّت بسلام، تكبر الطفلة لتصبح إنسانة سويّة في مجتمعها، لذا فإن حرمانها من الاستمتاع بهذه السن يؤدى إلى اضطرابات الشخصيّة واضطرابات في العلاقات الجنسيّة بين الزوجين، بفعل عدم إدراك الطفلة لطبيعة العلاقة، مما ينتج عنه عدم نجاح هذه العلاقة.
وأيدت المحكمة موقف المشرع المصرى في تحديد سن الزواج بثمانية عشر سنة وأنه لا يعد مخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية وليس فيه شبهة مخالفة الدستور، بل يتفق مع مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع وهى مبادئ وسطية مستنيرة، تخاطب الناس في كافة المجتمعات بحسب أعرافها وأوضاعها ولا ريب أن تحديد هذه السن لا يضر الطفلة الصغيرة توخيًا لتحقيق المصلحة لدرء المفسدة، فحظر الزواج قبل بلوغ سن ثمانية عشر عامًا فيه إدراك لظروف الزمان والمكان فجاء تحديد هذا السن من المشرع المصري تقديرًا للمصلحة العامة واتساقًا مع فقه الواقع، وبهذه المثابة فتحديد سن الزواج بثمانية عشرة سنة تتحقق معه المصلحة المعتبرة، ودرء المفسدة المترتبة على تزويج الأطفال القصر، ورعاية حقوقهم ومنع المتاجرة بهم من أجل تحقيق مصالح دنيوية.
ولفتت المحكمة النظر إلى أن المتهم يشغل وظيفة إمام مسجد وأن الإمامة في الإسلام لها منزلة عظيمة ودورًا كبيرًا في التعليم والتذكير، فبالتعليم يزول الجهل وبالتذكير تذهب الغفلة، ومن أجل هذا وغيرة تعد الإمامة رسالة عظيمة ومهمة جسيمة يوفق الله القائم بها علي الوجه المطلوب دعاة الحق وصفوة الخلق حماة الدين، فيتعلم علي أيديهم الجاهل ويستيقظ من أجل مواعظهم الغافل، وتسمو بتوجيهاتهم النفوس وتتهذب الأخلاق، وبمنهجهم الوسطى يواجهون المتشددين فى مفاهيم يجب أن تصحح فلا تستغلق على الفهم والاقناع.
ومن ثم فيجب علي شاغل هذه الوظيفة أن يتمتع بمجموعة من الصفات الأخلاقية في حياته وتصرفاته لينال هذه المكانة الرفيعة، والتي من أهمها التجرد في السعى وراء أهداف دنيوية من عمله كالجاه أو المال أو المناصب أو التقرب من الناس، فالأمام الناجح هو الذى يدعو الناس إلي الصلاح بعمله وعلمه فيرى فيه الناس مثالًا حيًا للصلاح والاستقامة والنزاهة والشرف، وليكون أمينًا على منبر رسول الله الذى يرتقيه فلا يقول إلا صدقًا ولا يعمل إلا حقًا معليًا مقاصده الشرعية فى حفظ النفس والعقل والدين والعرض والمال، وسبيله فى ذلك فقه الواقع وترتيب الأولويات بما فيه صلاح الوطن والمواطن.