تحية لكل مصري ”على الربابة”
الكاتب الصحفي حسن معروف موقع السلطةهذا يوم غير عادي، تصدع إذاعات مصر كلها بالأغنيات الوطنية، التلفزيون يبث مقاطع مصورة لمعارك ومعدات وصحراء صفراء وصوت السادات يخبرنا أن هذا الوطن أصبح له "درع وسيف"، في اليوم التالي لا أحمل كتلميذ ابتدائي من حصاد هذا اليوم في مخيلتي سوى صحراء صفراء ودبابات وجنود أجترها على صفحات كراس الرسم، وبندقية أحلم بشرائها في العيد المقبل، وأغنية.
كبرت وكبرت وفهمت، ومن بين مئات الأغنيات الوطنية للعظماء أو للغثاء، تظل أغنية "وأنا على الربابة بغني" هي أسرع ما يخلع الفؤاد العاشق لمصر، وينتزع الدمعات ويضخ الإدرينالين، لا، ليست "رايحين" فأنا لم أذهب أبدا للتجنيد ناهيك عن الحرب، ولا "بسم الله" فللأسف لم أواجه "جنود أعادينا" حتى أتلمس كلماتها، مهما كانت تمثل لي ولملايين المصريين من مصدر عز وافتخار، أنا هنا أتكلم عن "اللمس" الخفي لآخر مجسات الشعور بداخلك، التي لا تستجيب إلا لما هو صادق بنسبة 100%.
كنت أعرف "وردة" بالطبع، فألبوماتها تغرق بيتنا لعشق أمي العزيزة لها، في حين عشق أبي فايزة، التي كنا ومازلنا نلجأ لها في عيد الأم فقط، لم أكن أعرف بليغ حمدي، وبديهي ألا أعرف عبد الرحيم منصور، فكاتب الأغنية ظل طويلا شخصا مغمورا حتى قررت إذاعة الأغاني أن تذكر بعد كل أغنية اسم ملحنها وكاتبها، لكني كنت أعرف شيئا واحدا، كمنجات الفرح التي لا مثيل لها ودخول وتر "الربابة" إلى قلبي في مطلع الأغنية، وكلمة "بلادي السمرة" التي تشبهني، فأبدأ في التمايل من داخلي، وينتفض جسدي بطاقة عشق ووطنية لا مثيل لها.
كلمات الأغنية – ولحنها – تتحدث عن مواطن مصري يعشق تراب بلاده حد التصوف، أو المرض على حسب تعبير صلاح جاهين "بعشق زي الداء"، لكنه لا يملك في لحظات الصدام العسكري من الأمر شيئا، لا يملك أن يقتل العدو برصاصة في قلبه حتى لا ينجب من يفكر في غزو بلادنا مرة أخرى، لا يملك أن يصدر قرارا بإلقاء إسرائيل في البحر، لا يملك سوى أن "يغني" و"يدعو" و"يبارك" خطو الجنود نحو النصر العزيز.
موضوعات ذات صلة
- تصديري الحاصلات: مصر أكبر دولة مُصدرة للبرتقال في العالم
- أبرز ما قاله مصطفى مدبولي أمام البرلمان.. الشعب لن يسمح بتكرار سيناريو الفوضى
- 10 أكتوبر.. الحُكم على سعاد الخولي في ”غسيل الأموال”
- دورة تدريبية حول فن تدقيق الأخبار الرقمية بنقابة الصحفيين
- وزير خارجية العراق يبحث هاتفيًا مع نظيره الأردنى تطورات الأوضاع
- الجبير يبحث مع وفد مجلس الشرق الأوسط مستجدات الأوضاع بالمنطقة
- الحريري: الإمارات وعدت باستثمارات ومساعدات مالية للبنان
- ماجدة نصر: إنجاز تعديلات قوانين التعليم في البرلمان قريبًا
- صلاح يفوز بجائزة هدف الشهر بـ ليفربول
- الأسهم الأمريكية تسجل أكبر تراجع يومى
- للتصدى لـ الهجمات الإيرانية.. نتنياهو يقترح مشروعا ضخما للدفاع الجوى
- الاحتلال يمنع المزارعين من قطف ثمار الزيتون فى كفر قدوم
"ما املكش غير إني أغني".. أين كنت وقت الحرب؟ كنت في علم الغيب، كان على الجبهة نحو 750 ألف مقاتل ومشارك في الحرب، وأين كان بقية الـ 40 مليون نسمة تعداد مصر وقتها؟ لا أرى إلا أنهم جميعا كانوا "على الربابة بيغنوا"، رب كلمة تستطيع أن تصف ما لا تملؤه مجلدات السياسة في عقود، "ما أملكش غير إني أغني وأقول تعيشي يا مصر"، سنوات وسنوات وأجيال وأجيال تعشق تراب هذا الوطن، لكنها لا تملك من نصرته وقت الحرب إلا أن تغني وتدعو "تحيا مصر".
من بين مئات الأغنيات التي تكلمت عن مصر وتاريخها وحاضرها وجيشها وشعبها ووقفة التحدي وقبر الغزاة والفخر والاعتزاز، انتحى عبد الرحيم منصور جانبا تحت ظل شجرة يزرف دمعا عاجزا بغير ضعف، بعيدا عن القتال بجسده فقط، لكن روحه تحمل ألف سلاح، انتحى منصور وانتحينا وراءه نجلس ونسمع كيف يصف شعور كل مصري لم يكتب له الله القتال أو الشهادة، واكتفى بالنصر فرض كفاية، العامل والمزارع، الطلاب والفتيات وربات البيوت، العجائز في المقاهي والرجال في أعمالهم، مشهد رأسي يظهر ملايين المصريين يغنون "تحيا مصر" ويدعون للجنود بالتوفيق والسداد والنجاة من العدو المغتصب، ملايين المصريين يغنون "حلوة بلادي الحرة".
"وإيه أكون جنب عشاقك؟"، نعم، من أنا جوار شهداء قدموا أرواحهم عن طيب خاطر للوطن في ملحمة اتحدت فيها مصر من أكبر قائد إلى أصغر جندي يدا واحدة، "وإيه أكون جنب عشاقك؟"، ملايين من عشاقك يا مصر، ملايين يدعون لك بالنصر وهم مهزومون، ملايين يدعون لك بالستر وهم لا يسترهم سوى ثوب وحيد، لن أقول يكرهونك بسبب ضيق العيش، بل لا يقل حبك حتى في قلوبهم، تركيبة عجيبة لا أدعي أنها الوحيدة في العالم، لكنها فريدة، وكلما زاد وطأ الزمن عليهم زاد تعلقهم بك، ملايين وملايين تنجبهم مصر يختلفون في كل شيء ولا يختلفون على حبها حتى الموت.
"حلوة بلادي السمرا"، حلوة طبعا، حلو دائما، حلوة رغم هذا السمار الذي يلون أيامها ولياليها، هذه الحلوة هي من دفعت جنودا تركتهم قيادتهم في فم العدو لأن يعودوا مؤمنين بها فقط وينتزعوا أسنان هذا المغتصب، هذه الحلوة من دفعت فنانين وشعراء بعد خروجهم من المعتقلات السوداء أن يكتبوا كلمات تظل خالدة في الزمن والوجدان، حتى صوت وردة "بلادي" الطويل في آخر الأغنية كأنه صوت الشعب ينادي من أرجاء المحروسة في وسط اللحن الذي يعبر عن صخب المعارك، "بلادي" نداء دعم وفخر وإيمان، إنه النداء المقدس في خلفية الملحمة.