غنّت للسعادة ولم تنلها.. محطات من حياة أيقونة المرح «نعيمة عاكف»
كتب محمد شوقي موقع السلطةنعيمه سيد إسماعيل عاكف من مواليد مدنية طنطا في 7 اكتوبر عام 1929عندما بلغت الرابعة من عمرها أراد والدها أن يعلمها الفن الذي يتوارثه أفراد الأسرة، لكنها لم تظهر استعدادا أو تبذل أي نشاط فلجأ إلى حيلة جعلتها تتعلم المباديء الأولى في بضعة أيام، فبدلا من أن يقوم بتعليمها، قام بتعليم شقيقتها الكبرى حركات جديدة أمامها وراح يشجع شقيقتها، وفي نفس الوقت يعيرها بأنها ضعيفة ولاتصلح للعمل مثل شقيقتها فامتلأت نفسها بالغيرة، وتعلمت مباديء الأكروبات في بضعة أيام، وبعد عدة أسابيع تفوقت على شقيقتها وأصبحت نجمة الفرقة الأولى، مع أنها لم تكن قد اتمت العام الرابع من عمرها.
فى هذه المرحلة من عمرها إتستحوذت على اعجاب جمهور أهل طنطا الذين كانوا يشاهدونها، مما شجعها عندما بلغت السادسة أن تطلب من والدها أن يخصص لها مرتبا، وإلا فإنها ستبحث عن سيرك آخر تعمل فيه، وكان رد الوالد علقة ساخنة وفي اليوم التالي جمعت ملابسها وانطلقت في الشوارع على غير هدي وقابلها بعض زبائن السيرك وعرفوا أنها هاربة من أسرتها، فحملوها علي أكتافهم وأعادوها، وإزاء تهديدها بالهرب مرة أخرى قرر والدها أن يخصص لها مرتبا يوميا قدره قرشان إذا كان السيرك يعمل، وقرش واحد في حالة البطالة والأجازات الطويلة.
وتعود جذور نعيمة عاكف العائلية إلى صعيد مصروتحديدا الى بلدة بنى سويف حيث نشأ جدها هناك ، وبعدها قرر ترك الصعيد والتطوع للعمل عسكري بوليس، واستلم عمله في مدينة طنطا محافظة الغربية ، وفى هذه المدينة استقر إسماعيل وتزوج وأنجب خمس بنات وثلاثة صبيان أكبرهم اسمه سيد عاكف فعمل مع عمه محمود عاكف في سيرك يملكه ويطوف به الموالد، وكان ويمضي ثلاثة أشهر في مدينة طنطا التي يأتي إليها مئات الألوف من جميع أنحاء البلاد لحضور مولد سيدي أحمد البدوي
موضوعات ذات صلة
- تابع أسعار صرف العملات الأجنبية اليوم الأربعاء 10 أبريل 2019
- تعرف على أسعار الذهب اليوم الأربعاء 10 أبريل 2019
- «المركزي»: ارتفاع ودائع القطاع الخارجي لـ 9.9 مليار جنيه
- شكوى لـ «الأعلي للإعلام» تطالب باعتذار عمرو أديب لجماهير الأهلي
- تابع أسعار مواد البناء اليوم الأربعاء 10 أبريل 2019
- الأهلي أمام المقاصة لاستعادة التوازن قبل موقعة برج العرب
- قمة خارج التوقعات تجمع بين مان يونايتد وبرشلونة في دوري الأبطال
- أسعار الخضراوات و الفاكهة اليوم الأربعاء 10 أبريل 2019
- مواعيد مباريات اليوم الأربعاء والقنوات الناقلة
- وزيرة الاستثمار تعرض تجربة مصر في الاصلاح الاقتصادي أمام البنك الدولي
- إغلاق جزئي أعلى الطريق الدائري لهذا السبب
- تعرف على شروط وموعد التقدم للمدارس اليابانية
وانتقل إسماعيل إلي القاهرة مدربا للكلاب بمدرسة البوليس "كلية الشرطة" حاليا بعد ترقيته إلي رتبة صول.. يُدرب «الجمباز» لتلامذة مدرسة البوليس حيث كان من اشهر لاعبى المتوازيين في مصر.
في هذه الاثناء زار مصر سيرك إيطالي معروف كان نقطة التحول التي غيرت حياة عائلة نعيمة، لقد ذهب جدها ليشاهد ألعاب السيرك المشهور، وتعلقت روحه بلاعب المتوازيين الإيطالي، الذي كان يقدم أنجح ما في «البروجرام»، وأصبحا صديقين، فأدمن جدها حياة السيرك وتخلى عن حياته العسكرية ليتفرغ لهوايته
لم يأت وحده، بل أحضر معه حفيدتيه نبوية ونعيمة ليعيشا معه لم يمض به العمر طويلا فمات وأصبحت الفتاتان وحيدتين في الدنيا وكان الوالد سيد إسماعيل عاكف أنشأ سيركا صغيرا مع أشقائه ونزلوا إلى القاهرة ونصبوه في أرض شريف بالقرب من القلعة وشارع محمد علي، وانضمت نبوية ونعيمة إلى أسرة السيرك تقدمان بعض "ألعاب الجمباز والأكروبات والعقلة والترابيز والجونجلي"، وقتها شاهد عروض السيرك رجل يوناني كان يملك ملهى ليليا اسمه "ملهى البوسفور" وتعاقد معهما لتقديم بعض الفقرات للزبائن مقابل جنيه شهريا.
تعلمت نعيمة الموسيقى على على يد معلمها الاول الموسيقار " على فراج " وهو من مواليد الأول من يوليو 1914 فى حى الحسين وترجع اصوله لمدنية طنطا وهو مؤلف موسيقي مصري
كما لجأت لإجراء عملية تجميل في أنفها، وتعتبر "نعيمة" أول فنانة تجري عملية تجميل، حيث كانت تعاني من اعوجاج أرنبة أنفها، ولجأت لجراح التجميل المشهور آنذاك دكتور نادر سويلم
بدات نعيمة تقديم فقرات البهلوانات ولكن في الشارع في واقعة غير مسبوقة بتاريخ القاهرة، حتى علم الفنان علي الكسار بأمرهنّ، فاتفق مع "نعيمة" على العمل معه هي وشقيقتها في فرقته، مقابل 12 جنيهًا، وأبهرت بأدائها أنظار الجميع، ما دفع الراقصة بديعة مصابني للاستعانة بها في فرقتها مقابل 15 جنيهًا.
داخل ملهى الكيت كات الذي كان يرتاده معظم مخرجي السينما، خطفت نعيمة أنظار المخرج أحمد كامل مرسي، وقدمها كراقصة في فيلم ست البيت، وكان هو البداية لانطلاقتها السينمائية مع فيلم " العيش والملح".
في أحد الأيام وهي تقدم استعراضاتها تصادف ذات ليلة أن المخرجين الثلاثة الأشقاء حسين فوزي وعباس كامل، وأحمد جلال، كانوا يسهرون بهذا الكازينو، فاختارها المخرج حسين فوزي لتمثيل فيلم "العيش والملح" العام 1949 أمام المطرب الجديد سعد عبدالوهاب والمطرب محمد قنديل وبطل رفع الأثقال مختار حسين ووداد حمدي.
عام 1949حصلت نعيمة على أولى بطولاتها السينمائية من خلال فيلم "لهاليبو"، بعدما تحمّس المخرج حسين فوزي لموهبتها، وفى العام 1950 شاركت في بطولة فيلم "بابا عريس"، وهو أول فيلم من نوعه في السينما المصريه الذي يصوّر بالألوان، من تأليف وإخراج حسين فوزي.
عام 1953 تطور حماس المخرج حسين فوزي لنعيمة عاكف وتزوجها، وعندما انتقلت إلى الفيلا الفاخرة المملوكة لزوجها، وأهداها سيارة فاخرة، طلبت شيئًا آخر وهو تعويض ما فاتها من تعليم
النجاح في السينما لم يكن كافيًا، فقد وافقت على طلب المخرج زكي طليمات لتعيينها بطلة لفرقة الفنون الشعبية عام 1956، وتألقت في أوبريت "يا ليل يا عين"، وحصلت نعيمة عاكف على لقب أحسن راقصة في العالم، من مهرجان الشباب العالمي بموسكو عام 1958 ضمن خمسين دولة شاركت في هذا المهرجان، وكرّمها آنذاك الرئيس السوفياتي نيكيتا خروتشوف، وأمر بصنع تمثال لها ما زال يزيّن مسرح البولشوي حتى الآن.
بدأت نعيمة عاكف مشوارها الفني عندما استطاعت أن تحصل على فرصة للعمل في فرقة «علي الكسار»، وفي أحد العروض هناك شاهدتها الفنانة «بديعة مصابني» صاحبة أكبر فرقة ومسرح استعراضي آنذاك وعرضت عليها الإنضمام إلى فرقتها، وفي ذلك المسرح شاهدها المخرج أحمد كامل مرسي فأسند إليها دور راقصة في فيلم «ست البيت» مع فاتن حمامة وعبد العزيز محمود ومحمود شكوكو عام 1949.
نجحت نعيمة في اثبات نفسها في فيلم «ست البيت»، ليشاهدها المخرج حسين فوزي؛ ليقع اختياره عليها لتقدم معه فيلم «العيش والملح»، و قام بتوقيع عقد احتكار معها لتقديم عدد من الأفلام وكما تطورت علاقتهما الفنية تطورت علاقتهما الشخصية وتزوجا، لتنتقل من شارع محمد علي إلى فيلا بمنطقة «مصر الجديدة».
إختار حينها فوزي «سعد حسن عبدالوهاب» ابن شقيق الموسيقار محمد عبدالوهاب، شاب يكبر نعيمة بعام، فهو من مواليد عام 1928، عاش طفولته وشبابه في كنف عمه، ورغم التحاقه بكلية الزراعة، فإنه قرر دراسة الموسيقى والغناء في معهد الموسيقى، لعشقه لهما بسبب عمه، غير أنه فور تخرجه التحق بالإذاعة المصرية ليعمل في تقديم البرامج، ورغم براعته كموسيقي، ولمعان صوته، فإن عمه الموسيقار محمد عبد الوهاب لم يمنحه الفرصة للظهور كمطرب، مثلما منحها لغيره، ليس كرها فيه، لكن حباً في أن يعتمد على نفسه، ويشق طريقه اعتماداً على موهبته فقط، ليقتنع به حسين فوزي كمطرب وملحن، ويقرر أن يمنحه الفرصة أيضاً كممثل يقوم بدور البطل في أول تجربة له على الشاشة.
لم يراهن حسين فوزي على نعيمة عاكف وسعد عبد الوهاب فحسب لإنجاح الفيلم، بل إن رهانه الأول كان على موهبته هو كمؤلف ومخرج، راهن على نفسه قبلهما، إذ اعتبر موهبته كمخرج والموضوع الذي يدور حوله الفيلم، بطلين آخرين إلى جانب الأعجوبة نعيمة، والصوت الواعد سعد.
حقق فيلم «العيش والملح» وقتها نجاحاً وإيرادات لم يتوقعها أو يصدقها أحد، وفي مقدمهم أصحاب شركة «نحاس فيلم»، الذين شعروا بأن هذه الفتاة الجديدة قلبت الموازين الفنية كافة، فكان لا بد من مراجعة أنفسهم في كل شيء، وعلى رأس المراجعات، تجديد علاقتهم بالموهبة الجديدة و«الكنز»، الذي فتح بابه ويملك مفاتيحه المخرج حسين فوزي، فليس أقل من تهنئة خصوصاً، والاحتفال بنجاح الفيلم الاكتشاف الجديد، كنوع من الاعتذار عن الشك في قدرات المخرج وقدرات بطلته الجديدة، والأهم الاتفاق على أعمال جديدة تكون بطلتها نعيمة:
شعر حسين فوزي بأنه حقق الإنجاز الأهم في حياته، ليس لحجم الإيرادات غير المسبوق، أو لنجاح فيلم من أفلامه، فقد سبق وحقق النجاح في أكثر من فيلم، بل لأنه تحدى نفسه قبل الجميع، وراهن على اكتشافه الأهم بنجاح نعيمة عاكف، التي لم تصدق نفسها أيضاً
على مدار أكثر من شهر، لم يكن للصحف والمجلات المصرية حديث سوى عن المعجزة الجديدة التي أتى بها المخرج حسين فوزي من شارع محمد علي، وقلبت موازين السينما المصرية، خصوصاً عندما عرض فيلمها في مواجهة فيلم يجمع بين اثنين من أكبر نجوم السينما المصرية، وتفوق عليه بشكل غير مسبوق. حتى إن نعيمة كاد يختل توازنها ويصيبها غرور الشهرة المفاجئة، لولا أنها استوعبت الدرس الذي لقنه لها مكتشفها ومخرج أول أفلامها حسين فوزي، لتتأكد أن نجاح أي عمل فني يحتاج إلى جهود كبيرة، ويسهم فيه ويصنعه كثيرون، لكن من الممكن أن يصادفه سوء الحظ، فتكون النتيجة على عكس المتوقع، أو يحدث أن تكون النتيجة أكبر كثيراً مما يتوقع أصحاب العمل نفسه، وهو ما حدث مع فيلم «العيش والملح».
لم تدع نعيمة عاكف فرصة أو مناسبة إلا وجهت فيها الشكر إلى المخرج حسين فوزي، أستاذها ومكتشفها، سواء بشكل مباشر، وهو ما كان يرفضه غالباً، أو أمام الآخرين، ومحاولة تأكيد أنه صاحب الفضل عليها في ما وصلت إليه، وما حققته من نجومية بدأت تلمسها وتشعر بها، حتى إنها كانت تتعمد أن تترجل من دون سيارة في بعض شوارع وسط القاهرة، حتى يراها الجمهور ويشير إليها، لتتيقن أنها أصبحت نجمة مشهورة يعرفها الناس ويشيرون إليها، بل ويلتفون حولها ويطلبون منها توقيع «الأتوغرافات» مثل نجمات السينما الشهيرات.
بعد عشر سنوات من النجاح والتألق والنجومية والتحدي، أثمرت خمسة عشر فيلماً، وقصة حب كبيرة ، كللت بالزواج مدة خمس سنوات... انتهت كلها في لحظة، كأنها لم تكن موجودة، بعدما تم الانفصال النهائي بين نعيمة عاكف ومكتشفها وأستاذها وزوجها المخرج حسين فوزي، الذي اتضح أنه كان متخذاً القرار قبل عودة نعيمة من موسكو، ورتب له وانتظر لحظة التنفيذ.
ما إن وقع الطلاق، حتى حمل حقيبة ملابسه وسافر إلى بيروت للابتعاد، وقضاء عدة أيام بعيداً عن بيت الزوجية، الذي ترك فيه نعيمة لتقرر ما الذي ستفعله؟
لم تنتظر نعيمة ليلة في بيت حسين فوزي، وانتقلت في اليوم نفسه إلى الفيلا التي كانت اشترتها قبل الزواج في الزمالك، إلى جوار فيلا أم كلثوم، لتعود للعيش مع والدتها.
(في 18 أغسطس 1958 هددت عاكف، زوجها بالانتحار إذا لم يطلقها علي بعد زواج دام خمسة أعوام، وقصة حب استمرت خمسة أعوام قبل الزواج.
وقال المخرج حسين فوزي، إن كلام الناس هو الذي فتح عيون "نعيمة"، فمنذ بداية عملها في فرقة الفنون الشعبية ونجاحها في "يا ليل يا عين"، وسفرها إلي موسكو، ولم تعد عاكف، هي التلميذة المتواضعة المطيعة لأستاذها، وأصبحت تعارض في كل شيء.
وصرح حسين فوزي، بأن هناك مباحثات دارت بين عاكف، وبين أحد أصحاب الكباريهات لكي ترقص في مقابل 70 جنيهاً في الليلة، ولكنه اعترض علي ذلك وخيرها بين العمل في الكباريهات وبين أن تعيش معه، ففضلت نعيمة، العمل في الكباريهات.
وقال المخرج إن عاكف، تريد أن ترقص وترقص، لتصنع ثروة تعينها علي الحياة عندما تتقدم في السن.
وفي هدوء تام أتفق الزوجان على الانفصال، واستأجرت عاكف، شقة بشارع أبي الفداء بالزمالك، مكونة من أربع غرف، بإيجار شهري قدره عشرون جنيهاً، ولقد اقتسم الزوجان أثاث البيت، فخرجت عاكف، بغرفة النوم والصالون والأنتريه، وتركت لحسين فوزي، غرفة نوم الضيوف والسفرة والبار الأمريكاني.
استطاع المنتج حلمي رفلة أن يقنع نعيمة بالعودة مجددا للعمل، لكن بقيت لديها مشكلة، لم تخبر نعيمة بها أحداً ممن حولها، حيث كان لابد أن تواجه هذا العالم الذي لم تعتد عليه، رغم أنها قضت به جل عمرها، حيث شعرت بأنها لم تعرف شيئا عن خفايا الوسط الفني وكيفية التعامل فيه، كأنه جديد عليها، فلم تكن تتدخل في أي شيء من قبل، وكل ما كانت تفعله هو التوقيع فقط على العقود، دون الدخول في تفاصيل الحسابات أو أجر أو دفعات، أو حتى شروط التعاقدات، فوقفت حائرة لا تعرف ماذا تفعل؟ أو إلى أين تذهب؟ وفي الوقت نفسه لا تريد أن تظهر أمام المنتجين بلا خبرة، حتى لا تضيع حقوقها.
لم تجد نعيمة سوى أن تلجأ إلى المحاسب القانوني صلاح الدين عبد العليم، الذي كان يلجأ إليه حسين فوزي لتسوية بعض أموره المالية، وتحصيل الإيرادات والتعامل مع شركات التوزيع ودور العرض
وكلت نعيمة المحاسب القانوني صلاح الدين عبد العليم لإدارة شؤونها المالية وتعاقداتها مع المنتجين والتعامل مع البنوك، ليتحمل عنها هذا العبء الكبير الذي لم تكن تفهم أو تتدخل فيه يوما، وطمأنها أنها كانت على معرفة سابقة بالمحاسب القانوني، وعلى علم تام بمدى أمانته وإخلاصه في العمل، فضلا عن ذلك أنه أظهر لها استعدادا تاما لأن يتولى عنها كل هذه الأمور عن طيب خاطر، كصديقة عزيزة بالنسبة له، وليس مجرد علاقة عمل بينهما.
فاجأها المحاسب صلاح عبد العليم بطلب الزواج منها، ولم تجد لديها ما يمنع، خصوصاً أنه حرص خلال الفترة السابقة على أن يظهر لها كل مشاعر الود والحب، والقيام بكل ما يقربه من قلبها، فوجدت نفسها بعد مهلة قصيرة للتفكير، توافق على طلبه، ويتزوجان في نهاية العام 1960
قدمت نعيمة في فيلم أمير الدهاء عام 1964 دور " الجارية زمردة " التي تجيد الرقص، ويشتريها حسن الهلالي من «سوق النخاسة» بعد الثراء، حيث تلفت الأنظار برقصها البارع، لكنه يقوم في اليوم التالي بإهدائها إلى صديقه التاجر القديم، أحد الثلاثة الذين أدخلوه السجن، كنوع من الحيلة، لتكون طعما للدخول معه في شراكة، وفي الوقت نفسه لتنقل لحسن أخبار هذا التاجر.
رقصت نعيمة كما لم ترقص منذ سنوات، كأنما تودع الرقص، كذلك برعت في أداء الدور بشكل أعادها إلى أذهان الجمهور، غير أنها وقبل أن تنتهي من تصوير دورها في «أمير الدهاء» عاودتها الآلام بشدة مرة أخرى فى معدتها ، لكنها كانت هذه المرة أكثر قوة وأشد شراسة، فقد جاء الألم هذه المرة مصحوباً بنزيف حاد، فتم نقلها على الفور إلى المستشفى، غير أن التحاليل والأشعة أكدت خلوها من أي مرض عضوي، لكن حالتها تؤكد أن ثمة أمراً خطيراً غير ظاهر، حتى ساقت لها الأقدار الدكتور محمد أبو الفتوح، أستاذ جراحة الجهاز الهضمي، الذي وقَّع الكشف عليها، ثم أجرى جراحة حصل خلالها على عينة من الأمعاء، لتأتي نتيجة تحليلها صادمة له، قبل أن تكون صادمة لنعيمة وزوجها، وكل من حولها، فحاول أن يخص زوجها بحقيقة مرضها، على أن يخفي عنها نتيجة تحليل العينة، خوفاً عليها من صدمة قد تنهي حياتها قبل الآوان، لكنها أصرت على أن يصارحها بحقيقة مرضها.
صمت الدكتور وحاول أن يهرب من نظرات عينيها، وبدت على وجهه علامات الألم والارتباك، إلا أنها لم تتركه إلا بعد أن وضح لها حقيقة مرضها: «صدقوني أنا ما كنتش أحب أقف الموقف دا... لكن زي ما بتقولي أنت مؤمنة بالله وها تقدري الموقف... للأسف نتيجة التحليل إيجابية... وأثبتت أن في سرطان في الأمعاء».
قضت نعيمة ليلتها في المستشفى، لم يغمض لها جفن، كما لم تجف دموعها، مر أمام عينيها شريط حياتها، منذ أن بدأت في الرابعة من عمرها في سيرك والدها سيد إسماعيل عاكف بمدينة طنطا، مروراً بكل محطات حياتها، وأيام الشقاء والدموع والجوع، إلى أن التقطها المخرج حسين فوزي، ليصنع نجوميتها بيديه، لتتحول بعد أقل من عامين إلى نجمة ملء السمع والبصر، ويصنعا أهم ما في تاريخهما، وجزءاً مهماً من تاريخ السينما المصرية، الأمر الذي تأكد تماماً بانفصالهما.
لم تهتم نعيمة بالنجومية أو الشهرة، لم تهتم بما يمكن أن يحدث لها، بل كل ما فكرت فيه هو ابنها الوحيد محمد، الذي لا يزال طفلاً، ولا يعرف شيئاً عن الدنيا وقسوتها، الطفل الذي عاشت تحلم به وتتمناه، ويوم أن يتحقق الحلم، ويصبح حقيقة بين يديها، يحرمها منه القدر، وكيف سيعيش دونها ويحرم منها؟
في اليوم التالي، غادرت نعيمة المستشفى، بعدما وصف لها الأطباء الأدوية اللازمة، واتفقوا معها على أسلوب العلاج، واتجهت من فورها إلى البيت، تريد أن ترى محمد، تأخذه في أحضانها أطول فترة ممكنة، فهي لا تدري متى سيحين الأجل، خصوصاً أن الثقافة ، تؤكد أن من يصاب بهذا المرض اللعين، تصبح أيامه معدودة في الدنيا، فقررت ألا يفارقها محمد لحظة واحدة. حتى إنها تبقى لها عدة مشاهدة في فيلم «أمير الدهاء» فقررت أن تصحبه معها إلى الأستوديو بمرافقة مربيته، ليظل أمام عينيها طوال الوقت، وسط دهشة كل العاملين في الفيلم عن سبب اصطحابها ابنها، فهي حرصت على ألا يتسرب الخبر لأي من العاملين في الوسط، ومن خلاله ينتقل إلى الصحافة، إلا أن وجهها لم يستطع أن يخفي ما تحرص على ألا يعرفه أحد، فبدا في بعض المشاهد الأخيرة من الفيلمين شاحباً، قد تبدلت ملامح الفرح والابتسام، إلى وجه يكسوه الحزن، وعينين متورمتين من كثرة البكاء.
اتخذت نعيمة قرارها باعتزال الفن نهائياً، لتجلس في بيتها لتتفرغ لرعاية ابنها الوحيد، قبل أن تفارقه إلى الأبد. حتى إن عدداً من المنتجين عرض عليها الكثير من السيناريوهات لأفلام جديدة، إلا أنها لم تكن ترفضها بشكل مباشر، بل تقبل السيناريو وتطلب فرصة للقراءة، ثم ترفض بحجة أن العمل ليس مناسباً لها، وظن البعض أنها تتعمد ذلك لرفع أجرها الذي كان قد تراجع في أفلامها الأخيرة، فراح يرفعه حتى عاد إلى سابق ما كان عليه قبل التراجع، بل وزاد عليه، إلا أنها أيضاً كانت ترفض، حتى باتت هذه العادة من الأمور التي تجلب لها جزءاً من السعادة التي فقدتها، أن تعلم أن ثمة مخرجاً أو منتجاً لا يزال يتذكر نعيمة عاكف ويطلبها، وهي ترفض.
انتشر خبر مرض نعيمة عاكف في كل الصحف والمجلات، وبالتفاصيل التي لم تكن تتوقعها نعيمة، فكان يوماً عصيباً في حياتها. لم تنقطع الاتصالات الهاتفية، من الفنانين والمخرجين، ممن على علاقة وطيدة بها، ومن لم يلتق بها يوماً، فأصبحت نعيمة عاكف ومرضها، حديث الصحافة والوسط الفني، ما زاد من آلامها نفسياً، وشعرت بانهيار كامل في كل قواها، حتى إن مهاجمة المرض لجسدها زادت بشكل كبير، غير أنها كانت تحاول أن تقاومه وترفض أن تستسلم له، حتى جاء العام الجديد 1966، ليحمل لها بشرى جعلت الحياة تدب في شرايينها مجدداً، عندما زارت المستشفى للخضوع لجلسة العلاج
قررت رئاسة الجمهورية انذاك بسفر نعيمة للعلاج بالخارج بالمانيا على نفقة الدولة فى يوم 11 أبريل، غير أنها، ورغم التحسن الكبير في حالتها النفسية، هاجمها المرض بضراوة يوم 6 أبريل، ونزفت بشكل مخيف لأول مرة، فتم نقلها على الفور إلى المستشفى، ووضعت في غرفة الرعاية المركزة، وتم إيقاف النزيف، غير أن الأطباء قرروا التبكير بالسفر، وعمل الاستعدادات اللازمة لنقلها في هذه الحالة، لكن نعيمة سبقت الجميع بتنفيذ قرار القدر، لتصعد روحها إلى بارئها صباح الثامن من أبريل 1966، لترحل قبل أن تكمل عامها السادس والثلاثين، وتشيع جنازتها في اليوم الذي قرر الأطباء أن تسافر فيه، رحلت وهي تنطق بكلمة واحدة رددتها ثلاث مرات ثم سكتت إلى الأبد: محمد... محمد... محمد.
خرج جثمان نعيمة من بيتها كما أوصت، وسط جماهير غفيرة التفت حول البيت منذ الصباح الباكر، وعدد كبير من الفنانين ومحبيها، فيما وقفت أم كلثوم باكية شرفة منزلها... تلوح للجثمان بمنديلها..
خرجت من مسكنها بشارع أبو الفدا في حي الزمالك وخرجت أم كلثوم إلى شرفتها وهي ترتدي ملابسها السوداء وفي يدها منديل وفي عينيها الدموع، وهي تلوح لجثمان نعيمة عاكف الذي تتقدمه الأوسمة والنياشين التي حصلت عليها من الملوك والرؤساء، ومنهم المصري جمال عبد الناصر، والسوفياتي خروشوف، والأردني حسين، والمغربي محمد الخامس.
من اغانيها التي تعلق بالذاكرة ما تغنت به للسعادة التي افتقدتها بفيلم «اربع بنات وضابط » عام 1954
السعادة.. السعادة.. نتحرم ليه م السعادة.. دي الحياة سكر زيادة.. ليه كده.. تخلوها سادة!