سليمان نجيب.. الفنان الإنسان الذي ترك ميراثه للخادم والسواق وأولاد مربيته
محمد شوقي موقع السلطةأفلامه رائعة جميلة مبهجة لكن إنسانيته هي الأروع والأجمل بحق.. تمثيله كان صادقا لكن واقعه كان هو الأصدق.. قدم طوال حياته أفلاما رائعة.. وله أعمال خالدة بعد وفاته.. كل الذي تحدث عن إنسانية هذا الرجل لم ينصفه فهو كان أكبر من ذلك بكثير.. النفس الصافية الكبيرة وسعت ثلاثة ترك لهم نجيب كل شيء.
سليمان نجيب.. لم يترك لشقيقه ولا لأسرته شيئا، ولكنه ترك لأصدقائه الثلاثة الشاذلي وحسن ويوسف، كل بيته، تماما كما كان يتركه لهم عند سفره الى أوروبا غير أنه في هذه المرة لن يعود.
الشاذلي محمد، خادم سليمان نجيب الخاص منذ 25 عاما، وأولاده الثلاثة محمد ومحمود وعباس ولدوا في بيت سليمان نجيب وهو الذي رباهم وأدخلهم المدارس حتى لقد وصل أحدهم إلى الجامعة، والثاني إلى الإعدادي ولايزال الثالث في الروضة وفي حياتهم كلها لم يشتر الشاذلي لواحد منهم إلا ملابس عادية وكان سليمان نجيب في أوروبا وعندما رجع علم بالخبر فصرخ في وجه الشاذلي وقال له «ليه.. هو أنا مت»، وكأنه هو الأب.
موضوعات ذات صلة
قبل وفاته بشهر كان سائقه حسن «يعرج» فسأله «مالك يا ولد؟» فأجابه بأن «رجله» تسلخت عند ركوبه موتوسيكل في يوم الإجازة.
وأسرع سليمان نجيب بسيارته إلى مستشفى مورو، وترك سائقه هناك ليعالج مع أنه يسكن في شارع قصر العيني وقبل وفاته بأسبوع أصيبت عين محمود ابن الشاذلي خادمه باحمرار ورآه سليمان نجيب فذهب به إلى الدكتور صبحي، طبيب العيون العالمي، وأحضر له الدواء بنفسه.
كان الشاذلي وأولاده والطباخ يوسف والسائق حسن كلهم يحملون مفاتيح لشقة سليمان نجيب إلا هو فقد كان يستعير المفتاح منهم اذا أحس بأنه سيتأخر حتى لا يزعج أحدا منهم، كما كان له فوتيل مفضل بجوار المكتبة ويجلس عليه ليطالع الصحف والمجلات والتمثيليات العالمية وفي ذات ليلة عاد متأخرا فوجد محمود جالسا على الفوتيل، وذهب للنوم وفي يده مجله والراديو مفتوح بجواره، فأيقظه وضحك وقال له «والله ابن عز وباين عليك ابن أصل»، وكان عندما خادم سليمان نجيب في القهوة ينتظره ليلا ويقول له: «الشاذلي بيه وصل.. سعادتك فليت الصعايدة اللي في القهوة والا ضحكت الناس علينا.».
عندما كان يغضب من الشاذلي أو أحد من أولاده يرتدي ثيابه بسرعة ويغادر المنزل ويقول وهو يغلق الباب بعنف: «أنا سايبلكم البيت عشان تستريحوا وفي الليل يرجع وهو يضحك ويقول أنا رجعت تاني.. ادخل والا امشي!».
كثيرا ما كان يحضر لزيارة الشاذلي ويوسف الطباخ كثيرون من أبناء بلدهما، فيفتح لهم الباب بنفسه ويقول تفضلوا ويقابلهم باحترام شديد.. وينادي ويطالبهم باكرامهم حتى «لايفضحونا ويشتموا علينا ويقولوا سليمان نجيب شحات..».
كان يعطي سائقه بعض قمصانه الحريرية الفاخرة وعندما يسأله «فين القمصان إللي أخذتها يقول السائق أصلها حرير والدنيا شتا فيضحك سليمان نجيب ويقول إما حمار يا واد البس.. يعني بتفهم!».. ذات يوم سمع مناقشة دائرة في المطبخ بين الشاذلي وبعض بلدياته، وفهم انهم يبنون في بلدتهم مسجد القرشية، فتدخل هو وذهب إلى وزارة الأوقاف، ولم يعد إلا بعد حصوله على أمانة قدرها 368 جنيها وإعانة أخرى دائمة الإنفاق على المسجد قدرها 30 جنيها ودفع مبلغا من جيبه قدرها 500 جنيه.
عندما توفيت «الدادة» التي كانت تربي سليمان نجيب وأخاه حسني، أخفوا الخبر عنه، ولكن حدثت مشادة بين عائلة «الدادة» وعائلة سليمان نجيب عندما رفضوا أن تدفن في نفس مقبرة الست الكبيرة «والدة سليمان نجيب» واتصل أولادها به، فحزن جدا عندما علم بالخبر وأمر بدفنها مع والدته وقال: «هو كمان فيه تقاليد في الموت، بيه وباشا حتى في المقبرة عجايب على الناس دول.. كلها نومة واحدة».
والغريب بل والأغرب أنه عندما ذهب لأداء فريضة الحج رأى الشاذلي وحسن ويوسف يبكوا قال لهم «هو في إيه ده أنا رايح عند النبي» فقالوا له «كان نفسنا نكون معاك حتى نخدمك هناك»، فتركهم بعض الوقت وحدثت المفاجأة وهي أنه بالفعل حجز لهم لأداء فريضة الحج معه على نفقته الخاصة.
الذين حضروا عزاء سليمان نجيب، دهشوا عندما شاهدوا طفلا أسمر يكاد يقتل نفسه من البكاء، اسمه يوسف، ابن البواب، لقد كان يفتح الأسانير لسليمان نجيب، ويتمتع بعطفه وهداياه.. هؤلاء الثلاثة، هم ورثة سليمان نجيب الذين ترك لهم كل ما عنده، ولم يترك خلفه ثروة، لأنه كان يؤمن بالمثل «اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب»، وفي يوم وفاته كان يطالع مجلة فنية، فوجد مقالا طريفا عنوانه «ما حدش واخذ منها حاجة».
وضحك بصوت مرتفع وقال: «يا شاذلي اسمع ما حدش واخذ منها حاجة!».. فترك سيارته لسائقه، ومنزله بما فيه لخادمه وأولاده، وجزء من ماله لأولاده مربيته الراحلة، وترك قطعة أرض في الفيوم له لجعلها مسجد وأوصى ألا يكتب عليه اسمه، وباقي ثروته ذهبت كما أوصى تركها لرعاية المرضى غير القادرين على العلاج.