موقع السلطة
الجمعة، 22 نوفمبر 2024 06:30 مـ
موقع السلطة

رئيس التحرير محمد السعدني

  • اتحاد العالم الإسلامي
  • nbe
  • البنك الأهلي المصري
لايت

«ملخ الولادة».. «شلل» من أول دقيقة في الحياة

"ملخ الولادة"
"ملخ الولادة"

إصابة قد تغير مصير صاحبها من حال لحال، فبدلاً من ولادته بصورة طبيعية تؤدى إلى خروجه للحياة وهو يعانى من عدم الحركة بأحد أطرافه العلوية، لكن درجتها ومكان حدوثها يختلف من حالة لأخرى، فهناك من يعانى التعرض لشلل تام فى طرفه أو بشكل جزئى بأى من مفاصل ذراعه، فيما يعانى آخرون من عدم الشعور وفقد القدرة على الإحساس، حيث تعرف تلك الحالات بـ«ملخ الولادة» أو «شلل إيرب».

تختلف حالات الإصابة بـ«ملخ الولادة» أو ما يُعرف بـ«شلل إيرب» من شخص لآخر، فمنهم من يعيش بها منذ اليوم الأول من ولادته نتيجة جذبه بشدة من رأسه، ما يؤدى إلى حدوث تمدد أو قطع بأى من أعصاب الضفيرة العضدية، فيما قد يصاب به آخرون نتيجة التعرض لحادث ما، وهو ما يؤدى إلى حدوث الأمر ذاته.

الإصابة بشلل الضفيرة العضدية أو ملخ الولادة أو شلل إيرب عادة ما تحدث فى معظم الحالات حول العالم نتيجة تعسر ولادة الطفل، والتى تعود للعديد من الأسباب، والتى من بينها زيادة وزن الجنين نتيجة إصابة الأم بسكر الحمل، أو تغير وضعه داخل الرحم أثناء الخروج، وهو ما يدفع الطبيب المعالج حينها إلى محاولة جذب الجنين بقوة، ما يؤدى إلى حدوث الإصابة سواء بوقوع تمدد فى الضفيرة العضدية، أو قطع بأى من أعصابها المسئولة عن الحركة والإحساس بالأطراف العلوية للجسم.

«شلل إيرب» أو «ملخ الولادة».. معاناة منذ الطفولة والسبب «خطأ طبى»

«شلل إيرب» أو «شلل الضفيرة العضدية» أو «ملخ الولادة»، مسميات مختلفة ارتبطت بالإصابة بهذا المرض، إلا أن المسمى الأكثر شيوعاً هو «ملخ الولادة»، نظراً لارتباط تعرّض غالبية الحالات المصابة بالمرض بالولادة، وحسب الأطباء المتخصّصين، فالإصابة تأتى حينما يتم جذب المولود بشدة من رأسه ببعض الأحيان، من قِبل الداية أو بعض الأطباء بالخطأ، مما قد يؤدى إلى تمدّد أو قطع بالضفيرة العضدية، أو قد تكون الإصابة نتيجة وقوع حوادث السير أو القيادة.

د. جيهان ياسين، استشارى أمراض النساء والولادة، قالت لـ«الوطن»: حتى لا يتعرّض الكثير من الرُّضع لهذه الأزمة، يجب الكشف عن وضع الجنين باستخدام السونار رباعى الأبعاد، وذلك لأنه يعطى تشخيصاً مبكراً للحالة، وكذلك يجب تحديد وزن الجنين، والتعرّف على وضعه داخل الرحم. وأضافت: «بعد اكتشاف الإصابة بشلل إيرب، سرعان ما يتم التوجّه بالطفل المصاب للبدء فى رحلة علاجه، حيث يُعد العلاج الطبيعى هو الخطوة المهمة والأساسية فى رحلة المعالجة».

إخصائى تأهيل ليبى: العلاج الطبيعى يحافظ على ليونة العضلات

بدوره، أوضح د. عمر مفتاح أبوعرقوب، إخصائى العلاج الطبيعى وإعادة التأهيل الليبى، لـ«الوطن»، أنه بخلاف إصابات الولادة، فهناك الإصابات التى تتعرّض لها بعض الحالات نتيجة وقوع حوادث السير أو القيادة وغيرها، مشيراً إلى أن العلاج الطبيعى يسهم فى المحافظة على المدى الحركى للمفاصل، وكذلك المحافظة على ليونة العضلات، وخلال الخضوع لجلسات العلاج الطبيعى يتم تحفيز العضلات من خلال اللجوء لبعض الوسائل المختلفة، التى من بينها الفرشاة «الخربشة»، ومكعبات الثلج، إلى جانب التحفيز بالكهرباء، حيث يتم تحفيز حركة الذراع واليد عن طريق استغلال ردود الفعل الطبيعية للطفل.

وأشار «أبوعرقوب» إلى أنه لا بد من تغيير نظام العمل بتطور حركة الطفل، وذلك من خلال الكثير من الأنشطة المختلفة، كاللعب، والعلاج الوظيفى، ودمج العضو المصاب بالنشاطات اليومية المختلفة.

فيما كشف الدكتور محمد نسيم نوارة، أستاذ جراحة اليد والأعصاب المحيطية والضفيرة العضدية بدولة الجزائر، لـ«الوطن»، أن هناك طريقتين للعلاج، فإذا كان المولود مصاباً بكسر فى عظمة الترقوة أو عظام اليد، فإنه يجب هنا تثبيت الطرف العلوى، حتى يتم علاج هذه الكسور بدون مشكلة، أما إذا كان الطفل مصاباً بالشلل ولا توجد كسور، فيتم تثبيت اليد عند منطقة الصدر لمدة 3 أسابيع، حتى تلتئم الأعصاب، وبعد مرور هذه المدة، يتم وقف تثبيت الطرف العلوى، حتى تبدأ مرحلة العلاج الطبيعى.

وأوضح «نوارة» أن للعلاج الطبيعى عدة أهداف مهمة لصحة المصاب، من بينها منع تصلب المفاصل، ومحاولة تنشيط العضلات فى الأسابيع الأولى بعد الولادة، وذلك حتى يفهم الرضيع حديث الولادة أن هناك حركة بطرفه، ويتثبت هذا فى ذهنه، وهذه خطوة مهمة برحلة العلاج.

أستاذ جراحات يد جزائرى: نحو 95% من الحالات تمدّد وليست قطعاً

وعن تطور الإصابة بـ«ملخ الولادة»، أوضح أستاذ الجراحة الجزائرى، أن هناك حالتين لهذا الأمر، فالأولى والتى تُعد هى الشائعة على مستوى الإصابات بمختلف أنحاء العالم، والتى تمثل نحو 95%، هى التى يحدث بها تمدّد فقط لأعصاب الضفيرة العضدية وليس قطعاً، وهذا ما يعنى أنه يمكن استرجاع الأعصاب مرة أخرى مع المداومة على رحلة العلاج، بينما تتمثل الحالة الأخرى، وهى الأكثر خطورة، فى قطع الأعصاب أو خلعها نهائياً من النخاع الشوكى، وهنا لا يمكن استرجاعها مرة أخرى، حيث تستلزم حالة الطفل المصاب حينها إجراء عملية جراحية للتمكّن من نقل الأعصاب.

وفى سياق متصل، قالت دينا مجدى مؤسِّسة مبادرة التوعية من ملخ الولادة لـ«الوطن»: أنا مصابة ملخ ولادة من الولادة الطبيعية، ماما كان عندها سكر حمل، ومعروف إنه بيزود حجم الطفل، فالدكتور ولّدنى ولادة طبيعية وكنت نازلة حجمى كبير، وحصل لى قطع فى عصبين من الضفيرة العصبية اللى مسئولة عن حركة الدراع والإحساس. حالة من الرضا والتقبّل التام لإصابتها عاشت بها «دينا»، التى واظبت على العلاج منها بمراحل عمرها المختلفة، حتى بدأت فى الشعور بصعوبة بعد زواجها وإنجابها، وذلك لضرورة حملها لطفلها ورعايته الطبيعية التى تقوم بها كأم، خاصة أنها تعانى من صعوبة الحركة والإحساس بذراعها اليمنى، وهو ما دفعها للتفكير فى تأسيس مبادرة للتوعية من الإصابة بملخ الولادة، وإنشاء مبادرة للتوعية من الإصابة بملخ الولادة أو شلل إيرب، وهو ما لاقى تفاعلاً واسعاً ونجاحاً كبيراً عبر موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك».

العودة لمرحلة العلاج الطبيعى كانت النقطة الحاسمة فى تغيير حالة دينا مجدى، مؤسِّسة مبادرة «التوعية من ملخ الولادة»، حيث إنها بدأت تشعر بالتحسُّن مرة أخرى، حتى قرّرت مساعدة غيرها من المصابين من خلال الحديث معهم عن الإصابة وكيفية علاجها والتعامل معها: «وقت كورونا قلت لو فيه ناس زيى أقدر أساعدهم، وأوصل للناس الحاجات اللى الدكتور قال لى عليها، فعملت جروب وحاولت أتواصل مع ناس عندها شلل إيرب زيى، وقعدنا ننقل خبرات لبعض، وبعد كده بحثت عن دكاترة واتواصلت معاهم، وطلبت منهم يدخلوا الجروب، ويجاوبوا على أسئلة الناس، وبالفعل نجحنا فى ده والجروب كبر وبقى فيه تفاعل وتوعية كبيرة من خلاله».

«عادل» حادث سير غيَّر حياته: «أثّر على حياتى اليومية»

حادث سير قلب حياته رأساً على عقب، فلم يكن يتخيل يوماً أنه سيعيش سنوات شبابه بإصابة مؤثرة، سببت له الانزعاج الشديد من عدم العيش بصورة طبيعية كما كان بالبداية، وبات عادل بريبر، الشاب الجزائرى، البالغ من العمر 27 عاماً، يتردد على مختلف الأطباء والمعالجين ببلاده محاولاً علاج إصابته بالشلل الإيربى، الذى أثر على أصابع يده اليسرى.

الشاب الجزائرى: الأفكار السلبية أثرت علىَّ واضطررت أتعامل مع الإصابة

يكشف الشاب الجزائرى تفاصيل تعرضه لحادث السير الذى جاء قبل أشهر طويلة، ما أدى إلى حدوث إصابة له بالضفيرة العضدية: «تعرضت لحادث سير بالسيارة، وعلى أثر ذلك نتجت عندى إصابة فى الضفيرة العضدية، ودخلت المستشفى، ومكثت فيه 10 أيام».

مجموعة كبيرة من الفحوصات التى تمثلت فى الرنين المغناطيسى، والتخطيط الكهربائى والعضلى للأعصاب، كى يتمكن «عادل» من التعرف على مدى إصابته، حتى اكتشف أنه تعرض لحدوث تمدد بالعصب المسمى c8th1، ومن ثم أخبره الأطباء أنه سيتم علاجه من خلال الخضوع لجلسات العلاج الطبيعى.

ومع بدء رحلة العلاج، كان الشاب العشرينى قد عاش العديد من اللحظات الصعبة، مع شعوره بالحزن لما تعرض له، موضحاً أن الشعور النفسى هو الأصعب له: «تعبت أكتر، علشان لما تكون بتستعمل إيدك وتحركها وفجأة تبطل ده أمر صعب، وكان فيه أفكار سلبية أثرت على حياتى اليومية فى إنك كنت إنسان عادى، وبعدين ماتستعملش إيدك، ولازم تتعايش مع الإصابة».

شعور تام من الرضا والصبر بات يعيش به «عادل»، حتى يتمكن من استكمال رحلة علاجه التى بدأها منذ تعرضه للإصابة بالشلل الإيربى، لافتاً إلى أن الأمر يحتاج إلى قوة نفسية كى يتم مواجهة وتحمل تلك المشاعر السلبية، التى جاءت إلى رأسه عقب تعرضه لهذه الأزمة.

«نور» تحدّت إصابتها بـ«البوكسينج وكرة الريشة».. مفيش مستحيل

خطأ غير مقصود تسبب فى تغيير مصير ولادتها بصورة غير طبيعية، إذ تعرضت نور حسن، البالغة من العمر 14 عاماً، للإصابة بـ«ملخ الولادة» مع الساعات الأولى أثناء قدومها إلى الحياة، ما أدى إلى حدوث شلل تام بطرفها العلوى الأيمن، لكنها على الرغم من ذلك تحدت أزمتها وقررت الوقوف بوجهها على طريقتها الخاصة، وباتت واحدة من البطلات الرياضيات خلال أعوامها العمرية الصغيرة.

أسرتها بحثت عن علاجها بعد أسبوعها الأول فى الحياة

تعرضت «نور» للإصابة مع اليوم الأول من ولادتها، وذلك بعدما قام الطبيب بتوليد والدتها بشكل خاطئ، وقام بجذبها بشدة، ما أدى إلى حدوث قطع فى الضفيرة العصبية وحدوث شلل تام بذراعها اليمنى: «والدتى بدأت تعمل لى علاج طبيعى وأنا عمرى 7 أيام، وبدأت فى البحث عن الحل، وعملت ليا 8 عمليات زرع ضفيرة عصبية، والباقى توصيل أوتار، مع العلاج الطبيعى المستمر بعد كل عملية، لحد ما كذا دكتور قالوا كفاية عمليات لهذا الحد».

تحدٍّ وإرادة كبيران دفعا «نور» ووالدتها إلى التغلب على الإصابة بشلل إيرب، وذلك من خلال ممارستها عدداً من الرياضات المختلفة، والتى تحتاج جميعها إلى قوة عصبية خاصة، حيث بدأ الأمر بممارسة السباحة وهى لا تزال فى عامها الثامن، ومن ثم الاتجاه إلى لعب «الكيك بوكسينج»: «لعبت ودخلت بطولة علشان أثبت لنفسى وأمثالى إنه لا يوجد شىء صعب».

وبعد التميز برياضة «الكيك بوكسينج»، توجهت نور حسن لممارسة رياضة أخرى وهى كرة الريشة، والتى حصدت بها عدداً من البطولات على مستوى الجمهورية: «من هنا بقا حبيت أثبت لنفسى ولأى حد مصاب إن مفيش حاجة صعبة، أنا اتحديت نفسى وأتمنى إن أى مصاب مايستسلمش ويتحدى نفسه».

دعم نفسى كبير تلقته طالبة المرحلة الإعدادية من قبَل أسرتها على مدار سنوات حياتها، موضحة أن الدعم الأسرى من العوامل المؤثرة والمهمة فى العلاج من هذه الإصابة: «لازم العامل الأساسى يبدأ من البيت، لأن الأم والأب هما اللى بيشجعوا المصاب على إن مفيش حاجة مستحيلة، أنا بالنسبة لى مامتى ماكانتش بتسيبنى ودايماً مشجعانى على الرياضة وخلتنى أتحدى نفسى، علشان كدا أتمنى إن أى مصاب مايستسلمش».

«عائشة» مصابة بـ«شلل إيرب» لتعسر الولادة: تجربة عايزة صبر

معاناة كبيرة عاشتها والدة الطفلة الليبية عائشة على، البالغة من العمر ما يقرب من 3 أعوام، وذلك بعد تعرُّض الصغيرة عند ولادتها للإصابة بـ«ملخ الولادة»، عقب حدوث تعسر فى لحظة ولادتها، ما دفع الطبيبة المختصة حينها إلى جذبها بقوة من الرأس، ما أثر على طبيعة الضفيرة العضدية الخاصة بعنقها. خلال حديثها لـ«الوطن» تكشف والدة الطفلة عن معاناتها الكبيرة منذ اكتشاف مرض رضيعتها حتى البدء فى علاجها، واستمرار مشواره حتى اليوم: «بنتى كانت رابع مولودة ليا، والإصابة حصلت أثناء الولادة، بعدما حصل تعسر، والدكتورة حاولت تشد الرأس وتطلعها بسرعة، فالشد ده أثر على الضفيرة العضدية، فأثرت على الإيد اليمين».

لم تكن الأم على دراية ووعى كاملين بإصابة ابنتها فى الفترة الأولى من حدوث هذه الأزمة، ما دفعها لمحاولات البحث عن كل ما يخص هذا الأمر، خاصة أن الطبيبة التى قامت بتوليدها لم تخبرها حينها بخطورة هذه الإصابة.

كانت هذه المرحلة الأولية هى الأصعب فى حياة والدة «عائشة» على حد وصفها، وذلك نظراً لخوفها الشديد من استمرار عيش طفلتها بهذه الإصابة، وذلك بعدما توصلت إلى المعلومات الخاصة بالمرض وأدركت حينها أنه يُعرف بـ«شلل إيرب».

بعد إدراكها كل ما يخص هذه الإصابة، عرضت الأم طفلتها الرضيعة على أحد الأطباء المختصين بعلاج المخ والأعصاب، وهنا اطمأن قلبها بعدما تم إخبارها بأن صغيرتها تعرضت لتمدد فقط بالأعصاب، ولم يحدث قطع لها: «بعد 3 شهور من العلاج عرفنا إنها تمدد بس وهى حالة خفيفة، وده كان مطمئن جداً ليا».

والدتها: الإصابة حصلت أثناء الولادة وماكنتش عارفة.. وساعدتها بالتمرينات كل يوم

خطوة جديدة فى رحلة «عائشة» جاءت بخضوعها للعلاج الطبيعى، وحرصت والدتها على مساعدتها ومساندتها بكل جهدها: «كان كل يوم الصبح لمدة ساعة تمارين، وبعد مرور 3 أشهر بدأت تحرك إيدها وتثنيها على صدرها، التجربة دى عايزة صبر من الأهل والأم بالأخص، مش عايزة يأس أبداً، حتى لو العلاج اتأخر».

البنك الأهلي
معاناة الطفولة الأخطاء الطبية "ملخ الولادة" "شلل إيرب"
tech tech tech tech
CIB
CIB