ما حكم وجود العصمة في يد الزوجة عند عقد القران؟.. الإفتاء تُجيب
محمد هاني موقع السلطةحكم وجود العصمة في يد الزوجة.. يتساءل البعض عن حكم اشتراط الزوجة وجود العصمة في يد الزوجة وامتلاك حق تطليق نفسها متى أرادت ذلك.
حكم وجود العصمة في يد الزوجة
وكشفت دار الإفتاء أن مقتضى ما وجد في وثيقة الزواج من تمليك الزوج زوجته عصمتها صحيح.
وأوضحت الإفتاء أنه قد شرطت الزوجة أن يكون لها الطلاق متى شاءت؛ فلا تملك الطلاق إلا مرة واحدة؛ لأن الشرط يقع بمرة واحدة، ولا يتكرر ذلك إلا إذا كان بلفظ "كُلَّمَا"؛ لأنها لعموم الأفعال.
الفرق بين جعل الأمر بيد الزوجة وقول أنت طالق متى شئت
موضوعات ذات صلة
على مذهب الحنفية- وهو المعمول به في بلد السائل- فإنهم يفرقون بين جعل الأمر بيد الزوجة، وبين ما لو قال: أنت طالق متى شئت، أو إن شئت.
فلو قال: أمرك بيدك، اشتُرط نية الزوج الطلاق؛ لأنه من كنايات الطلاق، فلا يصح من غير نية الطلاق، وتملك بذلك التطليق مرة واحدة، ويكون الطلاق بائنا.
وأما لو قال: أنت طالق متى شئت: فلها أن تطلق نفسها طلقة واحدة رجعية كلما شاءت، ولا تملك أن تطلق ثلاثا مرة واحدة.
وينظر: "بدائع الصنائع" (3/ 113-117، 121).
وفي الصورتين: لا تملك المرأة أن تطلق ثلاث طلقات مرة واحدة.
والأقرب: أن ما كتب في العقد هو من باب: أنت طالق متى شئت أو إن شئت.
آراء الفقهاء
فقد شرع الله الطلاقَ وأناطه بالرجال دون النساء، ولم يجز أحدٌ مِن الفقهاء جعلَ عصمة الطلاق بيد المرأة، وإنما الجائزُ عندهم: أن يفوض الرجلُ زوجتَه بعد العقدِ طلاقَ نفسِها متى شاءت، أو أن تشترط في العقد طلاقَ نفسِها إذا لم يحقق لها الزوجُ شرطًا متّفَقًا عليه بينهما، وفيما يلي تفصيلُ ذلك:
أولًا:
جعل اللهُ الطلاقَ بيد الرجل؛ لأنّه أقدرُ على التحكُّم بعواطفِه، وتقدير الأمور، وحساب العواقب، وهو القائمُ على الأسرة المكلَّفُ بشؤونها، والمرأةُ مرهفةُ الحِسّ، رقيقةُ العاطفة، سريعةُ التأثر.
وجعْلُ عصمةِ النكاح بيد المرأةِ بنقل "حقّ الطلاق" مِن الرجل إلى يدها: مخالفٌ للنصوص الشرعية مِن عدة وجوه:
1-أنَّ الشريعة جَعلت القِوامةَ على الأسرة للرجل، قال تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ)، ومِن لوازم القوامة: أن يكون الطلاقُ بيدِه.
قال نجمُ الدين الغزي في كتابه حسنُ التنبّه لما ورد في التشبّه: "ومِن ثَمَّ كان الطلاقُ والظِّهارُ والإيلاءُ مِن قِبَل الرجلِ دون المرأة، وكانت الرجعةُ للرجل دون المرأة، فلو دخل الرجلُ تحت طاعةِ المرأة فقد عَكس الحكمةَ وخالف الشّريعة".
2-وجَعلت الشريعة عُقدةَ النِّكاحِ وعصمتَه بيدِه كما قال تعالى: (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إَلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ) [سورة البقرة: 237].
قال ابنُ كثيرٍ في تفسيره: "إنّ الذي بيده عُقدةُ النكاح حقيقةً: الزوج؛ فإن بيده عَقدَها وإبرامَها، ونقضَها وانهدامَها".
3-وأسند اللهُ تعالى الطلاقَ إلى الرجال في جميع آيات الطلاق، فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ المُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ}، وقال: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ}، وقال: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق:1].
فاشتراطُ المرأةِ كونَ عِصمةِ النكاحِ بيدها مخالفٌ لحُكمِ الله وشرعِه، وقد قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: (مَنِ اشْتَرطَ شَرْطًا لَيسَ فِي كِتابِ اللَّهِ فَهُوَ باطِلٌ، وإنِ اشْتَرطَ مِئَةَ شَرْطٍ، شَرْطُ اللَّهِ أَحَقُّ وأَوثقُ) متفق عليه.
ونقلُ "عصمة النِّكاح" مِن الرجل إلى المرأة: لم يُجزْه أحدٌ مِن فقهاءِ الإسلام، وإن وقع فهو لغوٌ لا يترتّب عليه شيء، ويبقى الطلاقُ بيدِ الرَّجُل، بل ذهب بعضُ الفقهاء إلى الحكم ببطلان العقد إن اشترطتْ ذلك، ومنهم مَن صحّح العقدَ وأبطل الشَّرطَ، وهو الأقربُ.
روى سعيدُ بنُ منصور في سننه عن عطاءٍ الخراساني: أنَّ عليًّا وابنَ عباسٍ رضي الله عنهما سُئلا عن رجلٍ تزوج امرأةً وشرطتْ عليه أنَّ بيدِها الفرقةَ والجماعَ وعليها الصداق، فقالا: "عَمِيتَ عن السُّنَّة، وولَّيتَ الأَمرَ غيرَ أهلِه، عليك الصَّداقُ وبيدك الفراقُ والْجماع"، وفي سنده مقال.
وفي مصنف عبدِ الرزاق عن الزُّهري وسئل عن امرأة أنكحتْ نفسَها رجلًا، وأصدقت عنه، واشترطت عليه أنَّ الفُرقةَ والجماعَ بيدِها، فقال: "هذا مردودٌ، وهو نكاحٌ لا يَحلُّ".
قال ابنُ رشدٍ الفقيهُ في البيان والتحصيل عن الشروط الباطلة: "وأما ما كان منها يَفسد به النكاحُ فلا حدَّ لها، وبعضها أشدُّ مِن بعض، مِن ذلك: أن يتزوجها على أنْ لا ميراثَ بينهما، أو على أنّ الطلاقَ بيدِها".
وفي النوادر والزيادات لابن أبي زيد القيرواني: "مَن شرط لامرأته في العقدِ أنَّ الطلاقَ بيدِها وأنّ الجماعَ بيدِها: فالنكاحُ يُفسخ قبل البِناء، ويَثبت بعده ويَبطل الشرط، ولها صَداقُ المِثل".
وذكر الماوردي في الحاوي الكبير أقسامَ الشروطِ في النّكاح وقال: "فأما القسمُ الأول وهو ما يُبطِلُ النكاحَ فهو كلُّ شرطٍ رَفَعَ مقصودَ العَقدِ، مثل: أنْ يتزوجَها على أنها طالقٌ رأسَ الشَّهر، أو إذا قَدِم زيدٌ، أو على أنَّ الطلاقَ بيدِها تُطلّق نفسَها متى شاءت، فالنِّكاحُ بهذه الشروطِ باطلٌ، سواء كانت هذه الشروط مِن جهتِه أو مِن جهتِها".
وما يَنسُبه بعضُهم للحنفيةِ مِن إجازةِ نقلِ العصمةِ للمرأة: غير دقيق؛ فإن الذي أجازه بعضُ فقهاءِ الحنفية إنما هو تفويضُ الرجلِ إلى المرأةِ طلاقَ نفسِها والاتفاقُ على ذلك عند العقد بضوابطَ ذكروها، وليس نقلَ عصمةِ النكاح مِن الرجُلِ إلى المرأةِ مطلقًا، فهذا لم يقلْ به أحدٌ.
قال القُدوري الحنفي في كتاب التجريد: "إذا شرط الخيارَ في النكاح: صح النكاحُ، وبطل الشرط... كما لو تزوجها على أنَّ الطلاقَ بيدِها".
ثانيًا:
أجاز عامّةُ الفقهاءِ للزوجِ بعد عقدِ النِّكاحِ تفويضَ زوجتِه في طلاقِ نَفسِها، كأنْ يقول لها: "طلِّقي نفسَكِ" أو "طلِّقي نفسَكِ إنْ شئتِ" أو "طلِّقي نفسَكِ متى شئتِ" أو "أمرُكِ بيدِك" ونحو ذلك مِن الألفاظِ التي تفيد إعطاءَ المرأة الحقَّ في طلاق نفسِها.
وهذا ليس نقلًا لعصمةِ الطلاق مِن يدِ الرجلِ إلى يدِ المرأة، بل هو تفويضٌ وإنابةٌ ووكالةٌ أو تمليكٌ مؤقّتٌ، فكما يملك الرجلُ الطلاقَ بنفسِه يملك إنابةَ غيرِه فيه؛ لأنه صلّى الله عليه وسلم خيَّر نساءَه بين المقام معه وبين مفارقتِه، لما نزل قوله تعالى: (يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا) فلو لم يكن لاختيارِهن الفرقةَ أثرٌ، لم يكن لتخييرهن معنى.
قال ابنُ قدامةَ في المغني: "الزوجُ مخيَّرٌ بين أنْ يُطلِّق بنفسِه، وبين أنْ يوكّلَ فيه، وبين أن يفوّضَه إلى المرأة، ويجعلَه إلى اختيارِها؛ بدليلِ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم خيَّر نساءَه، فاخترْنَه".
وقال الكاسانيُّ في بدائع الصنائع: "والزوجُ يملك التّطليقَ بنفسِه، فيملك تمليكَه مِن غيرِه، فصارت مالكةً للطلاقِ بتمليكِ الزوج".
وللفقهاءِ تفاصيلُ وضوابطُ واختلافاتٌ في هذا الباب، يُرجع إليها في مظانِّها مِن كُتبِ الفقه، وإنما المقصودُ بيانُه هنا: أنَّ المرأةَ قد تملك الحقَّ في طلاقِ نفسِها في نطاقِ ما فوّضها به الزوجُ، إلا أنّ إيقاعَ الطلاقِ لا يزال بيدِ الرجُلِ، وتفويضُ المرأةِ بالطلاق: لا يَسلُبُه حقَّه في الطّلاق.
قال ابنُ القيم في زاد المعاد: "ولا مفسدةَ في ذلك، والمفسدةُ التي ذكرتموها في كون الطلاق بيد المرأة، إنما تكون لو كان ذلك بيدِها استقلالًا، فأما إذا كان الزوجُ هو المستقِلَّ بها، فقد تكون المصلحةُ له في تفويضِها إلى المرأة، ليصير حالُه معها على بيِّنة، إنْ أحبّتْه أقامتْ معه، وإن كرهتْه فارقتْه، فهذا مصلحةٌ له ولها، وليس في هذا ما يقتضي تغييرَ شرعِ الله وحكمتِه".
ثالثًا:
يجوزُ للمرأةِ أن تشترطَ في عَقدِ النكاح: طلاقَ نفسِها إذا لم يحقّقْ لها زوجُها ما اتفقا عليه في العقد مما يدفع عنها ضررًا أو يحقّقُ لها مصلحةً معتبرةً.
كأنْ تشترطَ: طلاقَ نفسِها إذا لم يُنهِ إجراءاتِ لَـمِّ الشّمل خلالَ مدّةٍ معيّنة، أو إنْ سافر وتركها، أو أراد إخراجَها مِن مدينتِها، أو منعها مِن إكمال تعليمِها، ونحو ذلك مِن الإخلال بالشروط المباحة.
ويدلُّ على شرعية هذه الشروط ووجوبِ الالتزام بها:
قولُ النبي صلى الله عليه وسلم: (أَحَقُّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الفُرُوجَ)، متفق عليه.
وما صح في الأثر: أنّ رجلًا تزوج امرأةً وشرَطَ لها دارَها، ثم أراد نقْلَها، فخاصموه إلى عمرَ بنِ الخطاب رضي الله عنه فقال: "لها شرطُها"، فقال الرجل: إذًا يُطلِّقْننا، فقال عمرُ: "إنَّما مَقاطِعُ الحُقوقِ عندَ الشُّرُوطِ"، رواه سعيد بن منصور في سننه.
وقد ورد جوازُ مثلِ هذه الشروط ولزوم الوفاء بها عن جمعٍ مِن الصحابة والتابعين.
قال ابنُ قدامة في المغني مبيّنًا الجائزَ مِن الشروط: "وهو ما يعودُ إليها نَفعُه وفائدتُه، مثلُ أن يشترط لها أن لا يخرجَها مِن دارِها أو بلدِها، أو لا يسافرَ بها، أو لا يتزوجَ عليها..، فهذا يلزمه الوفاءُ لها به، فإن لم يفعلْ فلها فَسخُ النكاح".
وقال ابنُ عبد البر في الكافي: "ولو ملَّكها أمرَها عندَ عقدِ نكاحِها معه إن تزوّج عليها..، أو غاب عنها، أو أخرجها مِن دارها، أو ضربها، فتزوج أو فعل شيئًا مِن ذلك: فأمْرُها بيدِها، ولها أنْ تطلّق نفسَها ثلاثًا إن شاءتْ أو ما شاءتْ مِن الطّلاق".
وقال ابنُ تيمية في الفتاوى الكبرى: "إذا شرط الزوجُ للزوجةِ في العقدِ أو اتفقا قبلَه: أن لا يخرجَها مِن دارِها أو بلدِها، أو لا يتزوجَ عليها، أو إنْ تزوّج عليها فلها تطليقُ نفسِها: صحَّ الشرطُ، وهو مذهبُ الإمامِ أحمد"، انتهى بتصرّفٍ يسير
وقال ابنُ القيم في إعلام الموقعين:
" إذا تزوّجت المرأةُ وخافت أنْ يسافرَ عنها الزّوجُ ويدَعَها، أو يسافرَ بها ولا تريدُ الخروجَ مِن دارِها، أو أن يتزوّج عليها...، أو يشربَ الـمُسْكِرَ، أو يَضربَها مِن غير جُرمٍ، أو يتبيّن فقيرًا وقد ظنّتْه غنيًّا، أو مَعيبًا وقد ظنّتْه سَليمًا، أو أُمّيًّا وقد ظنّتْه قارئًا، أو جاهلًا وقد ظنّتْه عالمًا، أو نحو ذلك، فلا يمكنها التّخلّص.
فالحيلةُ لها في ذلك كلّه: أنْ تشترطَ عليه أنّه متى وُجد شيءٌ مِن ذلك فأمْرُها بيدِها، إن شاءت أقامتْ معه وإنْ شاءتْ فارقتْه، وتُشهِد عليه بذلك... ولا بأسَ بهذه الحِيلةِ، فإنّ المرأةَ تتخلَّص بها مِن نكاحِ مَن لم ترضَ بنكاحِه، وتستغني بها عن رفعِ أمرِها إلى الحاكم ليفسخَ نكاحَها بالغَيبةِ والإعسار ونحوِهما".
وينبغي التنبّهُ إلى أنّ الطلاقَ لا يقع بمجرّدِ عدمِ تحقّقِ الشرط أو إخلالِ الزوجِ به، بل لابدّ مِن إيقاعِها له كأن تقولَ: "طلقتُ نفسي"، ولها الخيارُ في التنازل عنه إن شاءت.
رابعًا:
في حال تفويضِ الرجلِ إلى المرأة أن تطلّق نفسَها أو اشتراطِ المرأةِ ذلك على الرجل: فإنّ الطريقةَ الشرعيةَ في ذلك أنْ تقولَ: "طلقتُ نفسي"، أو "أنا منك طالقٌ"، لا أنْ تطلّق زوجَها؛ لأنّ المرأةَ هي محلُّ الطّلاقِ لا الرجل.
ولذا لا يقعُ الطلاق بقولها "أنتَ طالقٌ"، أو "أنتَ مِنّي طالقٌ"، أو "طلقتُك"، في قول كثيرٍ مِن العلماء.