عبدالغني قمر.. شتم السادات من ليبيا ورفضوا استلام جثته: «عاش خاين ومات غريب»
محمد شوقي موقع السلطةفنان عُرف في أوائل الخمسينات بأدوار صغيرة تمامًا لا تكاد تتعدى مشهدين أو ثلاثة في أفلام (لحن الخلود، الهوا مالوش دوا، من القلب للقلب، ورد الغرام، ودرب المهابيل)، وكان أشهر أدواره فيلم «صراع في الوادي» مع فاتن حمامة وعمر الشريف عام 1954، ثم دوره في فيلم «امرأة في الطريق» مع هدي سلطان ورشدي أباظة عام 1957، ودوره في فيلم «رابعة العدوية» مع نبيلة عبيد عام 1963، ودوره في فيلم «30 يوم في السجن» مع فريد شوقي في دور «نجعاوي» عام 1968.
بهذه الأدوار لمع واشتهر وأصبح معروفًا إلى حد كبير، وهو الفنان عبد الغني قمر، المولود في محافظة الشرقية.. وحصل على دبلوم معهد التمثيل العالي عام 1950.
بدأ حياته المهنية موظفًا بالجمارك، ثم قرر التوجه إلى عالم الفن فالتحق بفرقة المسرح المصري الحديث بوظيفة ممثل، ثم انضم للفرقة القومية وفرقة إسماعيل ياسين.
موضوعات ذات صلة
ورغم أدواره البسيطة إلا أنه لم يكن أحد يتوقع أن يكون له قصة كبيرة سياسية فيما بعد، وعلى الرغم من خفّة الأدوار السينمائية التي اشتهر بها عبدالغني إلا أن حياته انتهت نهاية مأساوية لا تُشبه مشواره أبدًا.
انحدر عبدالغني قمر من أسرة فنية، فشقيقه السيناريست، بهجت قمر، والد الشاعر أيمن بهجت قمر، وعم الفنان مصطفي قمر.
شارك فيما يزيد على 50 فيلمًا سينمائيًا، إلى جانب مشاركته الفعالة في أعمال إذاعية خالدة كممثل ومخرج منها «خصيات تبحث عن مؤلف»، وسرد منها شخصيات «صاحب العمارة والجزار والفطاطري وتاجر القطن»، ومسلسله الشهير صاحب الأغنية الأكثر شهرة في تاريخ الإذاعة المصرية «عواد باع أرضه».
ولم ينطبق أدوار ممثل في تاريخ الفن مثلما انطبقت أدوار عبد الغني قمر عليه، فحقًا باع أرضه ووطنه من أجل الخلاف الذي أودى بحياته، وكان من الممكن أن يختلف مثل غيره الكثير دون أن يغادر وطنه ليهاجمه ويهاجم نظامه ورئيسه، كما يحدث الآن من بعض مرتزقة الإعلام والفن.
سافر عبدالغني قمر إلى ليبيا للاشتراك في فيلم «الرسالة» أشهر وأهم فيلم ديني في تاريخ الشاشة العربية، وقام بدور أمية بن خلف، وظل في ليبيا 7 سنوات.
لم تقتصر اهتمامات عبد الغني قمر على الفن، وإنما كان واحدًا من المثقفين؛ فسافر لعدة دول أوروبية لإلقاء محاضرات بها ومن بينها انجلترا وألمانيا.
في منتصف الخمسينيات كاد أن يدخل السجن بسبب خوضه للإخراج السينمائي بدون تصريح ولولا إثبات حسن النية لكان قضى خمس سنوات في السجن، وشُطِب من نقابة الممثلين.
قدم في التليفزيون المصري عدة أعمال تليفزيونية جعلته أكثر شهرة من خلال مسلسلات (الضحية، الرحيل، الساقية، وهارب من الأيام).
تميزت أدواره بالشر والندالة ودس المؤامرات، حتى أن حياته الخاصة أصبحت تشبه أدواره إلى حد كبير.
الوقوع في بئر الخيانةبعد قيام الرئيس الراحل محمد أنور السادات بزيارة القدس و إبرام معاهدة السلام مع إسرائيل عارضه الكثير بل وعارضته أغلب الدول العربية وتزعم صدام حسين، نائب رئيس جمهورية العراق آنذاك، ما يسمى بجبهة الرفض العربية، متصورًا أنه يستطيع أن يأخذ مكان مصر بين الدول العربية.
وقام صدام حسين باستقبال عدد من الفنانين والإعلاميين المصريين الذين يعارضون سياسة الرئيس السادات ليبدأوا في مهاجمة الحكومة المصرية وسياساتها من هناك، وتم إنشاء إذاعة «صوت مصر العروبة» برئاسة الممثل، عبدالغني قمر، لتبث برامجها من بغداد، وكانت البرامج تنقسم بين السخرية من شخص الرئيس السادات وزوجته، وبين انتقاد جميع تصرفات الحكومة المصرية، ولكن لم يكن لها تأثير يُذكَر في الشارع المصري ولكن سرعان ما عاد كل من عارض السادات إلي وطنه عندما أدركوا خطورة ما فعلوه إلا عبد الغني قمر الذي ظل هناك في تحدٍ سافر، ولكن يشاء الله أن من خان وطنه يخونه الآخرون وقد كان.
وقبل اغتيال الرئيس السادات بشهور معدودة تغيّرت السياسات، خصوصًا بعد تورط صدام حسين في الحرب مع إيران واستعانته بمصر لتقدم له دعمًا عسكريًّا، وتم إغلاق إذاعة «صوت مصر العروبة».
وتم طرد عبد الغني قمر من العراق، بل ومن ليبيا ومن الأردن، ولم يكن يستطع أن يرحل لأي دولة عربية أخرى، ولم يكن يستطع أيضًا أن يلجأ لأي دولة أوربية، فلم يكن معه من المال ما يكفيه نهائيًا، و ظل طريدًا حتى عاد للعراق متخفيًا و مات متأثرًا بذبحة صدرية في 4 فبراير 1981، و رفض شقيقه الكاتب السينمائي الساخر بهجت قمر أن يتسلم جثته ووصفهُ برأي قاسٍ قائلًا إنه «عاش خائنًا ومات غريبًا».
هذه نهاية كل من خان الوطنفمن حقك أن تعارض و تستنكر و لكن أن تخون وطنك مع أعدائه من أجل المال، فهذا ليس حق و لا نضال و لا حرية الرأي والتعبير بل إجرام وخيانة.
مع ملاحظة هامة جدًا، أن هناك أكثر من 1500 شخصية عامة عارضت اتفاقية السلام مع إسرائيل، وتم اعتقالهم في اعتقالات سبتمبر المعروفة، و لكنهم لم يخونوا أو يهاجموا وطنهم أو رئيسهم رغم اختلافهم معه خارج مصر مع أعدائها.