نص كلمة أبو الغيط أمام مجلس الأمن
محمد علي موقع السلطةبنشر «الوطن» نص كلمة أحمد أبو الغيط، أمين عام الجامعة العربية، أمام جلسة مجلس الأمن، المنعقدة اليوم، عبر «الفيديو كونفرانس»:
أهنئكم، معالي الوزير، على تولي الجمهورية التونسية رئاسة مجلس الأمن لهذا الشهر، وأود أن أعبر عن خالص التقدير للدور الذي تقوم به تونس بصفتها العضو العربي في المجلس، ومبادرتكم المقدرة بعقد هذه الجلسة للتداول حول سبل الارتقاء بمستوى الشراكة والعلاقة التكاملية بين جامعة الدول العربية ومجلس الأمن في سبيل معالجة الأزمات والتحديات التي تواجه منطقتنا العربية.
ولا يفوتني أن أعبر أيضا عن شكرنا للسيد السكرتير العام على حرصه على تمتين آليات التعاون والتنسيق المؤسسي بين الجامعة العربية والأمم المتحدة، مؤكدا على التزام الجامعة من ناحيتها بتطوير هذه العلاقة إلى أبعد مدى ممكن، سواء مع مجلس الأمن أو مع بقية أجهزة ووكالات المنظومة الأممية خدمة لأهدافنا المشتركة.
موضوعات ذات صلة
- تعافي 13 من مصابي كورونا بالعزل المنزلي في جنوب سيناء
- رئيس البرلمان العربي يستقبل الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية
- باحث: جائحة كورونا أظهرت ثمار الإصلاح الاقتصادي
- عاجل.. وزير الدفاع ورئيس الأركان يلتقيان رئيس الأركان اليوناني
- عاجل.. البرازيل تبدأ حملة التلقيح ضد فيروس كورونا
- البرازيل تبدأ اليوم حملة التلقيح ضد فيروس كورونا
- الصحة: إنتاج لقاح كورونا في مصر خلال أشهر (فيديو)
- محافظ القليوبية يتفقد المستشفيات لمتابعة المنظومة الصحية
- مدبولي: العالم كله شايف إن الاقتصاد المصري بيمشي على أرض صلبة
- رئيس الوزراء: الحكومة أعادت 30 ألف مصري من 100 مدينة حول العالم وقت كورونا
- ارتفاع المؤشر العام لسوق الأسهم السعودية
- الصحة العالمية: مصاب كورونا يظل ناقلا للعدوى لمدة 9 أيام
لقد مر عام ونصف العام منذ أن تحدثتُ في يونيو 2019 أمام مجلسكم الموقر تحت هذا البند.. وهو الاجتماع الذي صدر عنه بيان رئاسي مهم يرمي إلى دفع أطر التعاون والتنسيق فيما بيننا في مضمار حفظ السلم والأمن في منطقتنا العربية والشرق الأوسط عموما، وذلك وفق الإطار العام الذي ينظمه الفصل الثامن من الميثاق، واتفاق التعاون الموقع بين الجامعة والأمم المتحدة عام 1989، وبروتوكوله الإضافي الموقع في 2016.
وشهدت المنطقة العربية منذ يونيو 2019 جملة من التطورات التي مسّت حالة الأمن والاستقرار جاء بعضها إيجابيا وأسهم في حلحلة جانب من الأزمات المطروحة على أجندتنا المشتركة.. وأفضى البعض الآخر إلى تراجع وتعقيد الجهد المشترك الذي نبذله بغية تسوية هذه الأزمات ومعالجة جذور الأسباب التي تساهم في إذكائها، لكننا لا نختلف على أن المنطقة العربية تمر الآن بلحظةٍ خطيرة ودقيقة، تختلط فيها عناصر القلق والخوف بأسباب الأمل والرجاء، إذ تُعاني المنطقة، مثل غيرها، من أوضاع اقتصادية واجتماعية ضاغطة جراء استمرار جائحة كورونا، وما نتج عنها من تراجع في النشاط الاقتصادي، بما في ذلك أسعار الطاقة التي تُشكل مكونا أساسيا في صادرات العديد من دول المنطقة.
لقد خلقت الجائحة، مع استمرار النزاعات والصراعات في عدد من الجبهات المفتوحة، مزيجا خطيرا، ورتبت كُلفة إنسانية هائلة على السكان، إننا نتحدث عن عشرة أعوام من الحرب الأهلية في سوريا، وعن حربٍ تدخل عامها السابع في اليمن، وانقسام مستحكم في ليبيا.
وقبل هذا كله، فإن القضية الفلسطينية لازالت دون تسوية في الأفق، بل إن التسوية للأسف، صارت أبعد منالاً من أي وقت مضى، حيث تعرضت صيغة حل الدولتين للتهميش من قبل الوسيط الرئيسي في عملية السلام، وهو ما شجع الحكومة الإسرائيلية على تكثيف نشاطها الاستيطاني والتلويح بمشروعات خطيرة وهدامة مثل ضم الأراضي المحتلة.. إن المجتمع الدولي، ممثلاً في هذا المجلس، لا زال يعتبر -وبالإجماع- حل الدولتين الصيغة الوحيدة المقبولة لإنهاء النزاع بين الفلسطينيين والإسرائيليين.. وسيتطلب الأمر في المرحلة المقبلة كثيراً من الجهد، من جميع الأطراف المعنية بالسلام في الشرق الأوسط، من أجل إعادة التأكيد على هذا الحل بمرجعياته الدولية المعروفة والمتفق عليها.. وإننا نتطلع لقيام الإدارة الأمريكية الجديدة بتصحيح الإجراءات والسياسات غير المفيدة.. والعمل – بدعم من الأطراف الإقليمية والدولية المؤثرة – على إعادة العملية السياسية إلى مسار مثمر.. بما يمنح الأمل مجدداً للشعب الفلسطيني في أن المجتمع الدولي سوف ينصف مسعاه النبيل للحرية والاستقلال.
لا زالت المنطقة العربية تُعاني من تدخلات خطيرة من جانب قوى إقليمية في شؤونها الداخلية.. وقد صار واضحا للجميع ما أدت إليه هذه التدخلات من إشاعة حالة من عدم الاستقرار في المنطقة بصورة عامة، بما في ذلك ما يتعلق بأمن الممرات المائية الدولية التي تُمثل شرياناً رئيسياً للتجارة الدولية.. وصار واضحاً كذلك ما أدت إليه هذه التدخلات من إطالة أمد النزاعات القائمة، وزيادة تعقيدها.
في سوريا، تمارس خمس دول تدخلاتٍ عسكرية ظاهرة.. ويظل الوضع الأمني مُضطربا وخطيرا خاصة في مناطق الشمال الغربي والشمال الشرقي والجنوب.. إن هذه الأوضاع العسكرية والأمنية ليس من شأنها فقط إضعاف فرص التسوية السياسية.. ولكن ما لا يقل خطورة هو ما تؤدي إليه من آثار خطيرة على النواحي الإنسانية.. لقد صار نحو 90% من السوريين تحت خط الفقر، بعد أن أدت الأزمة الاقتصادية الخانقة، التي ترافقت مع جائحة كورونا والعقوبات الأمريكية، إلى تراجع خطير في قيمة العملة وتضخم غير مسبوق.
إن التبعات الإنسانية والسياسية والأمنية لاستمرار الأزمة السورية من دون حل صارت من الخطورة بمكان بحيث لا يمكن تجاهلها.. إنها أزمةٌ لها انعكاسات عميقة على الإقليم وتفاعلاته لسنوات طويلة قادمة.. واقتناعي أن الحل الحقيقي يبدأ بتحقيق حدٍ أدنى -ما زال مفتقداً حتى الآن- من التوافق الدولي حول كيفية تطبيق القرار 2254، والذي يرسم الأفق السياسي للتسوية في سوريا.. يتطلب الحل كذلك، وبالضرورة، تقليص نفوذ الأطراف الإقليمية التي ما زالت تنظر إلى الساحة السورية باعتبارها مغنماً أو أرضاً لتصفية الحسابات.. إن سوريا دولة عربية رئيسية، بالتاريخ والجغرافيا والثقافة واللغة.. ويقيني أن الأطراف التي تسعى إلى سلخها عن إقليمها لن تُفلح في نهاية المطاف إلا في المزيد من المعاناة للشعب السوري.
السيد الرئيس، لا يقل الوضع في اليمن خطورة، خاصة من الناحية الإنسانية، وليس خافيا أن بعض المناطق في اليمن تعيش على حافة المجاعة بعد سنوات من الصراع، إن الحل السياسي، على أساس المرجعيات الثلاث التي ارتضاها اليمنيون أنفسهم، يظل السبيل الوحيد لإنهاء الصراع ومعالجة هذا الوضع الإنساني المتردي الذي قد ينتهي إلى كارثة لا يريدها أحد.
لقد قام المبعوث الأممي بجهدٍ معتبر ومقدر من أجل التوصل إلى إعلان مشترك، يقضي بوقف إطلاق النار، ويتضمن إجراءاتٍ لبناء الثقة على الصعيدين الإنساني والاقتصادي، ومن المهم أن يحصل السيد «جريفيث» على الدعم اللازم من جميع الأطراف في المرحلة القادمة، وذلك من أجل البناء على الزخم الإيجابي الذي تحقق بتشكيل حكومة الكفاءات السياسية، تطبيقاً لاتفاق الرياض مع المجلس الانتقالي الجنوبي.
لقد جاء تشكيل الحكومة، بعد مفاوضات رعتها المملكة العربية السعودية لشهور، كبادرة إيجابية على إنهاء حالة التشظي والانقسام، تمهيدا لإجراء مفاوضات الحل الشامل، إن هذا الحل ممكن لأن الشعب اليمني يريده ويسعى إليه، وليس من مصلحة أي يمني أن يُستخدم هذا البلد كمنصةٍ لتهديد جيرانه في الخليج، ولذلك فالحل الشامل المستدام لابد أن يضمن وحدة اليمن وسيادته واستقلال قراره الوطني، وضمان سيادة علاقات حسن الجوار مع كافة جيرانه في الإقليم.
السيد الرئيس، لعل الوضع في ليبيا حمل معه عددا من التطورات المتلاحقة والهامة التي يمكن أن تقربنا حقا من مرحلة وضع حد لحالة الانقسام التي يعاني منها هذا البلد العربي المهم، وتمكننا من مرافقة الأطراف الليبية نحو الوصول إلى تسوية سياسية متكاملة للأزمة، وتتويج المرحلة الانتقالية بانتخابات رئاسية وتشريعية تقود إلى تنصيب سلطة ومؤسسات دائمة.
وقد تشجعنا كثيرا من توصل حكومة الوفاق والجيش الوطني الليبي إلى اتفاق للوقف الدائم لإطلاق النار، وبانطلاق ملتقى الحوار السياسي الليبي تحت رعاية بعثة الدعم الأممية، وباستئناف عمليات إنتاج وتصدير النفط في عموم الأراضي الليبية، وبالخطوات الأخرى المتخذة لمعالجة التحديات الاقتصادية التي كرست حالة الانقسام وتظل تعقد جهود التسوية بين الأطراف المختلفة.
نحن الآن أمام منعطف هام يجب علينا جميعا أن ننتهزه للوصول بليبيا إلى بر الأمان، والوقوف مع الأشقاء الليبيين، وخلف جهد البعثة الأممية، والعمل في سياق مسار برلين الذي يجمعنا، والتعاون الوثيق مع دول الجوار، وذلك لاستكمال العملية السياسية وتنفيذ مجمل الاستحقاقات التي توافق الليبيون أنفسهم عليها، والتي يتطلع الشعب الليبي إلى إتمامها؛ وأخص بالذكر هنا أهمية الشروع في تنفيذ أحكام اتفاق وقف إطلاق النار، بما في ذلك إخراج جميع القوات والمرتزقة الأجانب من كامل الأراضي الليبية وفق الأطر الزمنية المنصوص عليها في الاتفاق؛ كما يتوجب التوصل إلى حل جذري ودائم للتهديد الذي تمثله الجماعات والمليشيات المسلحة، والذي بدونه لن تنعم البلاد بأي استقرار، ولن تصمد أية اتفاقيات لعبور المرحلة الانتقالية والتمهيد للانتخابات المتنظرة.
كما سبق أن أكدت الجامعة العربية على أن كل هذه الجهود لا يمكن أن تنجح ما لم تتوقف التدخلات العسكرية الأجنبية، التي باتت مكشوفة ومعلنة، في الأزمة الليبية، وما لم يتم وضع حد للاستقدام المنهجي المستمر للسلاح والعتاد العسكري والمقاتلين الأجانب للأراضي الليبية، بالمخالفة لقرارات مجلسكم الموقر، وبشكل يتناقض أيضاً مع كل ما توافقت عليه الأطراف المشاركة في مسار برلين.
ويهمني هنا أن أشير إلى أن الجامعة تبقى ملتزمة بمواصلة دعمها للجهود الأممية لتسوية الأزمة، والعمل مع بعثة الدعم الأممية تحت قيادة ممثلة السكرتير العام بالإنابة، ومع المبعوث الخاص الجديد للسكرتير العام عندما يبدأ مهامه.. لمساعدة الليبيين على إنفاذ مخرجات ملتقى الحوار الوطني، وتنفيذ استحقاقات اتفاق وقف إطلاق النار ومراقبتها على الأرض، وتقديم أي دعم قانوني وفني يحتاجه الليبيون للإعداد للانتخابات والمشاركة في مراقبتها.
السيد الرئيس، هناك قضايا ومواقع أخرى نتطلع إلى تعظيم آليات التشاور والتنسيق مع مجلسكم الموقر، ومع منظومة الأمم المتحدة ككل، بشأنها؛ فلدينا التزام مشترك بالوقوف مع السودان ومساعدته في عبور تحديات المرحلة الانتقالية بكل ما تحمله من صعاب، وتثبيت اتفاق جوبا للسلام بكل ما يحتاجه من تمويل وموارد، وهو جهد أثق في أنه سيتعزز مع تشكيل ونشر بعثة الـ UNITAMS الأممية للدعم السياسي الانتقالي في السودان.
كما نتطلع إلى الارتقاء بمستوى التعاون القائم بين الجامعة والأمم المتحدة لدعم الصومال، وتمكين حكومته الفيديرالية من تثبيت أركان الأمن والاستقرار والتنمية في ربوع البلاد، ومحاصرة التهديد الذي تمثله حركة الشباب الإرهابية، والتمهيد لإجراء الانتخابات المرتقبة في البلاد.
وتلتزم الجامعة العربية كذلك بدعم أي جهد يعزز من أمن واستقرار منطقة القرن الأفريقي ويدفع التعاون والتكامل فيما بين دوله؛ وتقف الجامعة بثبات في دعمها للحقوق المائية لكل من مصر والسودان والوصول إلى اتفاق قانوني وملزم حول قواعد ملء وتشغيل سد النهضة عبر مسار المفاوضات وبعيداً عن الخطوات أحادية الجانب وبشكل يراعي مصالح كافة الأطراف.. ونجدد تضامننا مع دول الساحل والصحراء في مواجهة التهديدات الإرهابية التي تمس أمنها واستقرارها وفي كل جهد تقوم به لمكافحة تنظيم بوكو حرام وغيره من الجماعات المتطرفة الناشطة في هذا الإقليم الهام المجاور للعالم العربي.
السيد الرئيس، إن ما تسعى إليه جامعتنا هو إقامة علاقات حسن جوارٍ مع جيراننا في الإقليم تتأسس على ميثاق الأمم المتحدة.. بما ينص عليه من احترام سيادة الدول وضمان عدم التدخل في شئونها الداخلية.. نسعى لبناء الثقة مع جيراننا على أساس من التقدير المتبادل للشواغل الأمنية لكل طرف حتى تقوم علاقة صحية متوازنة.
وسوف نستمر من جانبنا في العمل مع مجلسكم الموقر ومع السكرتير العام من أجل الوصول الي تحقيق تلك الأهداف المشروعة عبر كافة وسائل العمل والتواصل السياسي والدبلوماسي.