أبو الغيط: العالم قد يواجه حربا باردة
وكالات موقع السلطةأكد أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، أن العالم مقدم على شكل جديد من العلاقات بين القوى الكبرى، وأن الصعود المتسارع في قوة الصين قد يُدخل العالم في حرب باردة لن تكون بالضرورة على نفس نمط الحرب الباردة التي شهدها العالم بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، موضحا ان ذلك بسبب الاعتماد المتبادل الكبير بين القوتين العظميين وحجم التجارة المشتركة، والمصالح الكبيرة لدى كل طرف، التي قد تتهدد إذا ما انخرطا في صراعٍ مباشر.
جاءت كلمات أبو الغيط خلال كلمة افتتاحية في إطار ندوة عملية عقدها معهد البحوث والدراسات العربية، اليوم 24 الجاري بمقره بالقاهرة، تحت عنوان ”الوطن العربي وتحديات المستقبل”، وشارك في الندوة لفيفٌ من المتخصصين والأساتذة في مختلف المجالات.
وشدد على أن الدول العربية قد تجد لديها هامشًا أكبر للمناورة في ظل وجود قوتين متنافستين على قمة الهرم الدولي، غير أن أوضاع هذا التنافس ستضع أيضًا قيودًا على الحركة حيث تسعى كل قوة عُظمى إلى استقطاب الحلفاء.
وذكر أبو الغيط خلال كلمته، التي تناولت التغيرات على الصعيد الدولي، أن العرب عليهم الاستعداد لمواجهة أوضاع دولية سوف تشهد سيولة وسرعة في إيقاع التغيير، وبحيث يكون من الصعوبة استشراف اتجاهات المستقبل، مؤكدًا أن أجواء التنافس بين الصين وأمريكا قد يجري إدارتها وضبط إيقاعها حتى لا يحدث تصعيد، ولكن احتمالات الخطأ في الحساب -كما يخبرنا التاريخ- واردة في مثل هذه الأوضاع القابلة للاشتعال.
ورصد أبو الغيط في كلمته عددًا من ملامح التغيرات الجارية في العالم، وعلى رأسها تراجع العولمة وبروز النزعة القومية الشعبوية ممثلةً في البريكزيت وفي انتخاب ترامب، مشيرًا إلى أن انتخاب 74 مليونًا لترامب يعني أن الاتجاه الذي يمثله لن ينزوي بخسارته للانتخابات.
وأشار الأمين العام لجامعة الدول العربية إلى أن روسيا تُمثل كتلة حضارية مهمة ذات ماضي إمبراطوري لا زال حاضرًا في الوعي الروسي، وأنها قوة عسكرية كبيرة لديها إرادة لعب دور على المسرح الدولي، وقد تنجح الصين في جذبها ناحيتها لعمل ائتلافٍ مناوئ للائتلاف الغربي الذي ستقوده الولايات المتحدة لتطويقها.
وقال أبو الغيط إن الحروب السيببرانية والأسلحة ذاتية التوجيه التي تعمل بالذكاء الاصطناعي تُمثل تحدياتٍ جديدة غير مسبوقة على أمن المجتمعات، خاصة وأنها مجالات ما زالت بعيدة عن أي إطار قانوني ناظم.
وذكر أبو الغيط أنَّ العالم العربي يواجه أوضاعًا صعبة مع الجيران في الإقليم، مشيرًا بالتحديد إلى أن لدى كلٍ من إيران وتركيا أطماعًا إمبراطورية في المنطقة العربية تعود إلى عصور سابقة، وأن كلتيهما تقتحم الفضاء العربي وتؤسس لمناطق نفوذ وتسعى للهيمنة، مشيرًا إلى أن هذا التنمر الإقليمي سوف يستمر للأسف في الفترة القادمة، بسبب المنطلقات الأيديولوجية التي تتأسس عليها سياسة البلدين، واعتناق النظم الحاكمة فيهما للإسلام السياسي كذريعة للتدخل في الدول العربية.
وشدد على أن التمسك بالدولة الوطنية هو طوق النجاة للمنطقة ودولها، وأننا نحتاج إلى إقناع جيراننا بالتوقف عن استخدام الدين لتحقيق مصالحهم القومية.
وأوضح الأمين العام أن المنطقة العربية عانت كثيرًا خلال السنوات العشر الماضية، وأنها تحتاج إلى استعادة مكانتها وقدراتها، مؤكدًا أن المنطقة في حاجة إلى إحياء اقتصادي شامل، وأن هناك تفاوتًا في أداء الدول العربية والمطلوب هو تحقيق قدر من التكامل الاقتصادي يبدأ بإلغاء التعريفات الجمركية، وهو أمرٌ يُمكن التوصل إليه قريبًا.
وشدد أبو الغيط على أن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة القابلة للحياة يُعد أولوية رئيسية، وأن بقاء القضية الفلسطينية من دون حلٍ كان سببًا في الكثير من المشكلات التي حلت بالإقليم والعالم، مُضيفًا ضرورة تسخير اتفاقات التطبيع لصالح القضية، خاصة وأن الإدارة الأمريكية الجديدة تحمل منطلقاتٍ مختلفة عن إدارة ترامب التي ألحقت ضررًا بالغًا بالفلسطينيين عبر الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وبشرعية المستوطنات وحجب الدعم عن الأونروا، وغيرها من الإجراءات شديدة السلبية، ومُشددًا أن على العرب والفلسطينيين الاشتباك بسرعة مع الإدارة الجديدة لإطلاق التسوية.
وفي معرض رده على سؤالٍ من الحضور حول مكانة القيم في العلاقات الدولية، أكد أبو الغيط أن قيمًا مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان ليست مرفوضة من العرب، ولكن المرفوض هو أن يقوم الآخرون بالتدخل في شئوننا لفرضها علينا بالصورة التي يرونها، مُضيفًا أن لدينا أخطاء، ولكن من حقنا أن نختار وتيرة الإصلاح التي تلائمنا، وتناسب أوضاعنا.